ويوم بحيرا إذ أتاك مسلِّمًا ... ومستخبرًا عمَّا أحاط به خبرا
رأى منك آيات النُّبوة قد أتت ... بها رسل الآفاق يتلونها تترى
/163 أ/ فأثبتها في الحال مرأى ومسمعًا ... وطاب بها نفسًا وعينًا بها قرَّا
فأشرب إيمانًا وما زاغ قلبه ... وآمن إيقانًا ولم يسترد فكرا
رآك وظلٌّ للغمامة سابغٌ ... عليك وباقي الركب عن ظلِّها حسرى
وقد خرَّت الأشجار في البرِّ سجَّدًا ... لرؤياك لمَّا شرَّفت ذلك البرَّا
وعاين أيضًا للنبوَّة خاتمًا ... به ختمت فازداد في أمره إمرا
وردَّ أناسًا قد أتوك لغيلة ... وأوسعهم نصحًا وحذَّرهم غدرا
وتوبة نسطور ببصرى وقد اتى ... يؤمَّهم فيما يباع وما يشرى
رأى منك ما قد سطروه بكتبهم ... من الحق والآيات ما أعوزت سطرا
فأقسم بالله العظيم تيقَّنًا ... لأنت الَّذي جاءت بمبعثه البشرى
وأنت رسول الله تبعث رحمةً ... إلى أمَّه تدعى محجَّلة غرَّا
ونعتك بالأمِّي في الكتب عندنا ... وأنَّك عنَّا بالهدى تضع الإصرا
وتأمرنا بالعرف والعدل والتُّقى ... وتأبى لنا الفحشاء والبغي والنُّكرا
لنا طيِّبات الأكل شرعًا تحلُّها ... كما هو في التَّوراة من قلبه يقرا
كذلك في الإنجيل يتلوه دائبًا ... كما هو في التَّوراة من قبله يقرا
وصحبك لمَّا أعوز الماء واختشوا ... بأنَّهم لم يدركوا الوقت والعصرا
/ 163 ب/ جعلت لهم من كفِّك البحر منهلًا ... فصلَّوا وكلُّ القوم قد أسغ الطهرا
وألفًا وبضع الألف ريًا سقتهم ... بنانك من نور جعلن به غمرا
وكم ماء عين قد مزجت محبَّةً ... وكانت بكيئًا ثمَّ عادت بها نهرا
ولمَّا استقلَّ الحارث الماء حقَّقت ... له يدك البيضا بها آيه الكثرا
وروَّيت من ماء المزادة أنفسًا ... عطاشًا وأكبادًا نقعت به حرَّى
ولم ينفذوا من مائها ورد قطرة ... وقد أوسقوا منه الكواهل والظهرا
ومن تمرات كلت للجيش زاده ... وأبدلته من بعد إعساره اليسرا
وأشبعت من أقراص خبز لحائرٍ ... ومن سخلة ألفًا وما نقصوا القدرا
وأوفيت عنه ثقل دين بصبرةٍ ... من التَّمر فازدادت بتنقيصها وفرا