لمَّا رأيت مناديهم ألمَّ بنا ... شددت مئزر إحرامي ولَّبيت

وقلت للنَّفس جدِّي الآن واجتهدي ... وساعديني فهذا ما تمنَّيت

لو جئتكم قاصدًا أسعى على بصري ... لم أقض حقّاً وأيَّ الحقِّ أدّّيت

ولما مسّني الآن الكبرة والشاخة، وأناخ الزمان عليَّ أيَّ إناخة، خاطبت قدمي لو سبقت قلمي، واشتدادي يتمنى لو يعدم ملاذي، ونفسي تحرص على أن تعاجل طرسي، لكن الكبرة أبت فكان /160 أ/ قصاراي عين دمعت، وكفٌ كنفت.

وقد ألفت هذا الكتاب محتسبًا للأجر، ومستبقيًا به للسلطان الملك الكامل أجمل الذكر، فأودعته من العلوم ما ينتفع به صاحب كل شان من حديث، وفقه، ولغة، ونحو، وأصول، وتاريخ، وشعر، وحساب، وبيان. وقصدنا تأليف كتاب في معنى .... بمعان حتى ينشط قارؤه بخروجه من لون إلى ألوان، وينوب له عن كلِّ حديثة وبستان، ففيه تذكرةً لأهل الإيمان، وفقه لأهل اللب والرجحان، مما يعز وجود نظمه في تأليف واحد، وتوجد فنونه مجموعة في تصنيف واحد؛ وإنما ذلك بعون الله الكريم وطوله وسعادة من ألف من أجله. وأمعنت في الشرح والتفسير، ولم أرض باللمح اليسير.

ثم انشد بعد خبر أسنده إلى الإمام الشافعي –رضي الله عنه- هذه الأبيات يمدح بها الملك الكامل الَّذي صنَّف الكتاب لأجله: [من الكامل]

هذا كتاب ليس تبصر مثله ... بمثقَّف من أجله ومقيَّد

الفَّته لك من فؤاد أنت في فؤاد أنت في ... أثناء أضلعه تروح وتغتدي

تختال بين مفصَّل وموصَّل ... ومطرَّز منظَّم ومنضَّد

/160 ب/ ولكلِّ جزء حكمةٌ أو منجدٌ ... او بدعةٌ لمرمِّل ومقصِّد

قتريك كلَّ بديعة في نوعها ... لم تخترع وغريبة لم تعهد

ما شئت من شعر أرقَّ من الصَّبا ... وخطابه أزهى من الزَّهر النّدي

عزّش الملوك أبي المظفَّر ذس النَّدى ... وسميِّ خير العالمين محمَّد

أوليس من قومٍ غدوا بفخارهم ... بيض المغاني في الزَّمان الأسود

طور بواسطة نورين ميديا © 2015