وَأَقُول مَعْلُوم أَن غَالب العداوات الدِّينِيَّة لَا تكون إِلَّا بَين المتبع والمبتدع وَالْمُؤمن وَالْفَاسِق، والصالح والطالح، والعالم وَالْجَاهِل، وأولياء الله سُبْحَانَهُ وأعدائه.
وَمثل هَذَا من الوضوح بِحَيْثُ لَا يحْتَاج إِلَى سُؤال، وَلَا ينشأ عَنهُ إِشْكَال.
وَالْوَلِيّ لَا يكون وليا لله حَتَّى يبغض أَعدَاء الله ويعاديهم، وينكر عَلَيْهِم، فمعاداتهم وَالْإِنْكَار عَلَيْهِم هُوَ من تَمام ولَايَته، وَمِمَّا تترتب صِحَّتهَا عَلَيْهِ.
وأولياء الله سُبْحَانَهُ هم أَحَق عباد الله بِالْقيامِ فِي هَذَا الْمقَام اقْتِدَاء برَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فَإِنَّهُ كَانَ إِذا غضب لله احمرَّ وَجهه وَعلا صَوته حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذر جَيش يَقُول: صبَّحكم مسَّاكم، وَهَكَذَا المعاداة من الْمُؤمن لِلْفَاسِقِ، وَمن الْفَاسِق لِلْمُؤمنِ.
فَإِن الْمُؤمن يعاديه لما أوجب الله عَلَيْهِ من عداوته، ولكراهته لما هُوَ عَلَيْهِ من الْوُقُوع فِي معاصي الله سُبْحَانَهُ، والانتهاك لمحارمه، وتعدي حُدُوده.
وَالْفَاسِق قد يعاديه لإنكاره عَلَيْهِ ولخوفه من قِيَامه عَلَيْهِ، وَقد يكون ذَلِك لما جرت بِهِ عَادَة الْفُسَّاق من الإزراء بِمن يكثر من طَاعَة الله والسخرية بهم، كَمَا يعرف ذَلِك من يعرف أَحْوَالهم، فَإِنَّهُم يعدون مَا هم فِيهِ اللّعب وَاللَّهْو، هُوَ الْعَيْش الصافي، والمنهج الَّذِي يختاره الْعُقَلَاء، ويعدون المشتغلين بِطَاعَة الله من أهل الرِّيَاء والتلصص لاقتناص الْأَمْوَال.
وَأما الْعَدَاوَة بَين الْعَالم وَالْجَاهِل فَأمرهَا وَاضح، فالعالم يرغب عَنهُ ويعاديه لما هُوَ عَلَيْهِ من الْجَهْل للدّين، وَعدم الْقيام بِمَا يحْتَاج إِلَيْهِ من كَانَ من الْمُسلمين.