قَوْله من عادى لي وليا لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الزّجر عَن معاداة الْأَوْلِيَاء المستلزم لموالاتهم. وموالاة جَمِيع الْأَوْلِيَاء لَا تتأتى إِلَّا بغاية التَّوَاضُع لله تَعَالَى والتذلل لَهُ، إِذْ مِنْهُم الْأَشْعَث الأغبر الَّذِي لَا يؤبه لَهُ.
وَقد ورد فِي الْحَث على التَّوَاضُع عدَّة أَحَادِيث صَحِيحَة، لَكِن لَيْسَ فِي شَيْء مِنْهَا على شَرطه فاستغنى عَنْهَا بحديثي الْبَاب.
مِنْهَا حَدِيث عِيَاض بن حمَار رَفعه: " إِن الله تَعَالَى أوحى إِلَى أَن تواضعوا حَتَّى لَا يفخر أحد على أحد " أخرجه مُسلم، وَأَبُو دَاوُد وَغَيرهمَا. وَمِنْهَا حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَفعه " وَمَا تواضع أحد لله تَعَالَى إِلَّا رَفعه " أخرجه مُسلم أَيْضا وَالتِّرْمِذِيّ. وَمِنْهَا حَدِيث أبي سعيد رَفعه: " من تواضع لله رَفعه الله تَعَالَى حَتَّى يَجعله فِي أَعلَى عليين - الحَدِيث ". أخرجه ابْن مَاجَه وَصَححهُ ابْن حبَان " انْتهى.
أَقُول: كثيرا مَا يَقع فِي أذهان كثير من الناظرين فِي البُخَارِيّ عدم الْمُطَابقَة بَين بعض تراجم الْأَبْوَاب، وَبَين مَا ذكره فِيهَا من الْأَحَادِيث، فَإِذا أعْطوا الْفَهم حَقه، وتدبروا كل التدبر، وجدوه قد عمد إِلَى معنى دَقِيق ومنزع لطيف من مُنَازع ذَلِك الحَدِيث فَجعله دَلِيلا على التَّرْجَمَة، وَإِذا لم يجد على شَرطه شَيْئا مِمَّا يصلح لذَلِك الْبَاب، جعل مُجَرّد تَرْجَمته إِشَارَة إِلَى ذَلِك الْخَبَر الَّذِي لم يكن على شَرطه.