من ارتضى من رَسُول} فَإِن هَذَا النَّفْي وَالِاسْتِثْنَاء مشعران أتم إِشْعَار باختصاص ذَلِك بِمن جمع بَين وصف كَونه مِمَّن ارْتَضَاهُ الله، وَوصف كَونه رَسُولا. وَالْوَلِيّ وَإِن كَانَ مِمَّن ارْتَضَاهُ الله، فَإِن وصف الْمحبَّة لَهُ يُفِيد كَونه مرتضى لله لكنه لَيْسَ برَسُول.
نعم مَا قدمنَا من حَدِيث الْمُحدثين، وَأَن فِي هَذِه الْأمة مِنْهُم، وَأَن مِنْهُم عمر رَضِي الله [عَنهُ] يُفِيد أعظم إِفَادَة بِأَن وصف كَونه من الْمُحدثين طَرِيق إِلَى تلقي شَيْء من علم الْغَيْب ووصوله إِلَيْهِم، والْحَدِيث فِي الصَّحِيحَيْنِ.
وَانْظُر إِلَى قَول عمر رَضِي الله عَنهُ: " يَا سَارِيَة الْجَبَل " مَعَ كَونه فِي الْمَدِينَة يخْطب فِي منبرها وسارية وَمن مَعَه من الْمُسلمين فِي أقاصي بِلَاد الْعَجم فأطلعه الله على الْحَرْب الَّذِي هم فِيهِ حَتَّى كَأَنَّهُ مشَاهد لَهُم، وأسمعهم الله صَوته فنفعهم بِهِ وسلموا من معرة الْكفَّار مَعَ أَن ذهنه فِي تِلْكَ الْحَالة كَانَ مَشْغُولًا بالخطابة الَّتِي هِيَ محتاجة إِلَى جمع الْفَهم عَلَيْهَا، وإفراغ الذِّهْن لَهَا، وَعدم الِاشْتِغَال بغَيْرهَا، لكَون ذَلِك فِي مجمع الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وهم أهل الفصاحة التَّامَّة والبلاغة الفائقة.
فَانْظُر إِلَى مَا منح الله هَذَا الرجل من الْمَوَاهِب الْعَظِيمَة من كل بَاب: جعله خَليفَة الْمُسلمين وإمامهم ثمَّ فتح الله لَهُ أقطار الأَرْض، وَكَانَت دولته مثلا مَضْرُوبا لكل دولة جَامِعَة بَين كَمَال الحزم والورع، وَالْعَمَل بالشريعة الْوَاضِحَة