أن نلائم بين مسيحيتنا وبين تقدم المعرفة-ولكن أنى يتيسر هذا لكنيسة ترفض كل علم القرون الأربعة الماضية؟ ".
وهنا يتدخل الإنسان في المناقشة، فيهدم البيتين جميعاً على رأسه. هذا فخر البروتستنتية وضعفها، فهي تستهوي العقل، الذي لا يفتأ يتغير، أما قوة الكاثوليكية ففي رفضها أن تكيف نفسها وفق نظريات العلم، التي تثبت من الخبرة التاريخية أنها قلّما تعيش بعد القرن الذي ولدت فيه. إن الكاثوليكية تستهدف إشباع مطالب الناس الروحية، الناس الذين قلّما سمعوا بكوبرنيق وداروين، ولم يسمعوا قط بسبينوزا وكانت؛ وهؤلاء الناس كثيرون خصيبون، ولكن أنى لدين يتحدث إلى العقل، ويتمركز حول العظة، أن يكيف نفسه وفق كون آخذ في الاتساع، كون أصبح فيه الكوكب الذي ادعى أنه تلقى ابن الله نقطة عابرة في الفضاء، وليس النوع الذي مات من أجله سوى لحظة في مشهد الحياة الدائم التغيير؟ وما الذي يحدث للبروتستنتية إذا أخضع الكتاب الذي اتخذتها أساسها الوحيد والمعصوم للنقد "الأعلى" الذي يحيله من كلمة الله إلى أدب العبرانيين وإلى تحول المسيح في لاهوت بولس الصوفي؟.
"ليست المشكلة الحقيقية التي تواجه العقل الحديث ذلك الخلاف بين الكاثوليكية والبروتستنتية، ولا بين الإصلاح البروتستنتي والنهضة؛ إنها بين المسيحية والتنوير-هذه الحقبة التي ليس من اليسير تحديد تاريخها، والتي بدأت بفرانسس بيكن، وعقدت آمالها على العقل والعلم والفلسفة. وكما كان الفن ركيزة النهضة، والدين روح الإصلاح البروتستنتي، فكذلك أصبح العلم والفلسفة إلهي التنوير، ومن وجهة النظر هذه كانت النهضة تسير في الخط المباشر للتطور العقلي الأوربي، وأفضت غلى الاستنارة، أما حركة الإصلاح البروتستنتي فكانت انحرافاً عن ذلك الخط، ورفضاً للعقل، وتأكيداً جديداً للإيمان الوسيط.