أوربا في حملة صليبية ضد العثمانيين يدل على أن خيانة البابوية حطمت وحدة العالم المسيحي قبل حركة الإصلاح البروتستنتي بزمن طويل. ومع أننا أيدنا حق الملوك الإلهي، فإننا أيضاً شجعنا نمو الديمقراطية في إنجلترا واسكتلندة وسويسرة وأمريكا، في حين كان قساوستكم في فرنسا وإيطاليا وأسبانيا يخضعون للملوك؛ وقد حطم تمردنا على سلطة كنيستكم تعويذة الحكم المطلق، وهيأ أوربا لمسائلة كل ألوان الاستبداد دينية كانت أو علمانية. إنكم تعتقدون أننا جعلنا الفقراء أفقر مما كانوا. ولكن هذه أيضاً كانت مرحلة عابرة، فالرأسمالية ذاتها التي استغلت فقر الفقراء حيناً تعلمت أن تغني الرجل المتوسط كما لم يغن من قبل؛ وما من ريب في أن مستوى المعيشة في إنجلترا وألمانيا وأمريكا البروتستنتية أعلى منه في إيطاليا وأسبانيا وفرنسا الكاثوليكية.
"وإذا كنتم اليوم أقوى مما كنتم بالأمس، فإنما الفضل في هذه القوة لنا. فماذا كان يحدث لو لم تكرهكم حركة الإصلاح البروتستنتي على إصلاح الإدارة البابوية، وإنقاذ أكليروسكم من التسري، وتنصيب رجال مؤمنين على كرسي البابوية بدلاً من الوثنيين؟ ولمن تدينون بالفضل لما يتمتع به أكليروسكم اليوم من سمعة النزاهة؟ المجمع ترنت؟ ولكن لمن تدينون بالفضل في مجتمع ترنت إن لم يكن لحركة الإصلاح البروتستنتي؟ فلولا ذلك الضابط لواصلت كنيستكم انحدارها من المسيحية إلى الوثنية حين ينتهي الأمر بتتويج بابواتكم على عالم لا أدري أبيقوري. وحتى مع هذا التجديد الذي فرضناه على كنيستكم، فإن الشعوب التي تقبل عقيدتكم أشد إهمالاً للدين، وتشككاً في المسيحية، من الشعوب التي اعتنقت الإصلاح البروتستنتي؛ ويكفي أن تقارنوا بين فرنسا وإنجلترا.
ولقد تعلمنا أن نوفق بين تديننا وبين حرية العقل، وأقطارنا البروتستنتية هي التي شهدت أعظم ازدهار للعلم والفلسفة. ونحن نأمل