"ومع ذلك فإن حركة الإصلاح البروتستني برغم تعصبها في أول عهدها أسدت صنيعين لحركة التنوير، فقد حطمت سلطان العقيدة، وبعثت عشرات الملل والنحل التي لو وجدت قبلها لماتت حرقاً، وسمحت بأن يقوم فيما بينها جدل كان من القوة بحيث اعترف في النهاية بأن العقل هو المحكمة التي يتعين على جميع المذاهب أن تترافع أمامها عن قضاياها ما لم تكن مسلحة بقوة مادية لا تقاوم. وفي تلك المرافعة، في ذلك الهجوم والدفاع، تضعضعت كل المذاهب والعقائد، ولم ينقض قرن على تمجيد لوثر للإيمان حتى أعلن فرانسيس بيكن أن المعرفة قوة. وفي ذلك القرن السابع عشر بعينه قدم المفكرون من أمثال ديكارت وهويز وسبينوزا ولوك الفلسفة بديلاً للدين أو أساساً له، وفي القرن الثامن عشر جهر هلفتيوس وهولباك، ولا متري بالإلحاد، ونعت فولتير بالتعصب لأنه آمن بالله. هذا هو التحدي الذي واجهته المسيحية، في أزمة أعمق كثيراً من الجدل بين الترجمة الكاثوليكية والبروتستنتية لعقيدة العصر الوسيط. والجهد الذي بذلته المسيحية للبقاء برغم كوبرنيق وداروين هو المسرحية الأساسية للقرون الثلاثة الأخيرة. فليت شعري أي قيمة لصراعات الدول والطبقات بالقياس إلى تلك المعركة الفاصلة الكبرى، هرمجدون النفس الأسبانية؟ ".
والآن إذا نلقي إلى الوراء بنظرة على هذه القصة المتعرجة التي روتها هذه الصفحات الألف، ندرك أننا نستطيع التعاطف مع جميع الأطراف المقاتلة. نستطيع أن نفهم غضب لوثر على فساد روما وتسلطها، وكره الأمراء الألمان أن يروا العطايا الألمانية تسمن إيطاليا، وعزم كالفن ونوكس على بناء جماعات خلفية مثالية، ورغبة هنري الثامن في أن يكون لملكه وريث، وأن يكون له على مملكته سلطان. ولكنا نستطيع أن نفهم أيضاً آمال إرزمس في إصلاح لا يسمم العالم المسيحي بالحقد، ونستطيع أن نشعر بفزع الأتقياء من أساقفة روما مثل كونتاريني مما يحتمل من تمزيق