الإسكندر جنوباً وشرقاً، يخضع بعض المدائن، ويستسلم له البعض الآخر؛ ودام على ذلك عاماً كاملاً. وجمع دارا الثالث في هذه الأثناء خليطاً من 000ر600 رجل بين جندي ومغامر. وتطلَّب عبورهم نهر الفرات على جسر من القوارب خمسة أيام، كما تطلَّب حمل أموال الملك ستمائة بغل وثلاثمائة جمل (145). ولما تقابل الجيشان عند أسوس، لم يكن مع الإسكندر إلا ثلاثون ألفاً من رجاله، ولكن دارا كان يتصف بكل ما تتطلبه تصاريف الأقدار من غباء، فاختار للقتال ميداناً لا يتسع إلا لجزء صغير من جيشه أن يقاتل اليونان على حين يبقى سائره معطلاً. فلما انتهت المجزرة وجد أن اليونان قد خسروا نحو 450 رجلاً، وخسر الفرس 000ر110 رجل، قتل معظمهم وهم يفرون مذعورين. وطارد الإسكندر الجيوش المهزومة مطاردة طائشة عبر في أثنائها مجرى مائياً على جسر من جثث الفرس (146). وفر دارا من الميدان فرار الأنذال، وترك فيه أمه وزوجة من أزواجه وابنتين وعربة وخيمة مترفة. وعامل الإسكندر السيدات الفارسيات بشهامة أدهشت مؤرخين اليونان، واكتفى بأن تزوج إحدى ابنتي دارا. وإذا جاز لنا أن نصدق ما قاله كونتس كورتيس، فإن أم دارا أحبت الإسكندر حباً لم تر معه بدَّا من أن تقضي على حياتها بالامتناع عن الطعام حين علمت بوفاته (147).
وواصل الشاب الفاتح بعدئذ سيره في بطئ، يخيل إلى الإنسان أنه بطئ المستهتر، يريد أن يبسط سلطانه على غرب آسية بأجمعه. غير أن بطأه هذا لم يكن إلا ناشئاً من رغبته في ألا يتقدم قبل أن ينظم فتوحه، ويؤمن مواصلاته. وخرج سكان مدينة بابل على بكرة أبيهم، كما خرج أهل بيت المقدس من قبل، للترحيب به، وقدموا له مدينتهم وما فيها من ذهب؛ فتقبل منهم ما عرضوه في لطف وبشاشة، وسرّهم بأن أمر بإصلاح هياكلهم التي هدمها خشيارشاي من قبل دون تدبر وروية. وأرسل إليه دارا يعرض عليه الصلح، وكان مما عرضه أن يقدم للإسكندر