أبنائها إلا كل حذر محتاط. فلما أن جند هؤلاء لمواجهة الإسكندر تبين أنهم لا يكاد يوجد فيهم إلا كل منخوب القلب جبان. ولم يكن شئ من التحسين قد أدخل على تدريب الجنود أو على عتادهم الحربي، ولم يكن قوادهم على علم بما يستجد من فنون القتال. فلما دارت رحى الحرب ارتكب هؤلاء القواد أشنع الأغلاط، وكانت عساكرهم المختلة النظام، والتي كان معظمها مسلحاً بالسهام، أهدافاً صالحة لرماح المقدونيين الطويلة وفيالقهم المتراصة (142). لقد كان الإسكندر يلهو ويعبث، ولكنه لم يكن يفعل ذلك إلا بعد أن يتم له النصر، أما قواد الفرس فقد جاءوا معهم بسراريهم، ولم يكن منهم من هو راغب في القتال، ولم يكن في الجيش الفارسي جنود جديرون بهذا الاسم إلا مرتزقة اليونان.
ولقد تبين منذ اليوم الذي فر فيه خشيارشاي بعد هزيمته في سلاميس أن اليونان سيتحدون الدولة الفارسية في يوم من الأيام. ذلك أن فارس كانت تسيطر على أحد طرفي الطريق التجاري العظيم الذي يربط غرب آسية بالبحر الأبيض المتوسط، وأن بلاد اليونان تسيطر على طرفه الثاني، وكان ما ركب من طباع الناس من أقدم الأزمنة من طمع وحرص على الكسب مما يجعل هذه الحال مثارا للحرب بين الأمتين، ولم يكن اليونان ينتظرون لبدء الهجوم إلا أن يقوم بينهم سيد منهم يضم شتاتهم ويؤلف بين قلوبهم.
واجتاز الإسكندر مضيق الدردنيل دون أن يلقى مقاومة، ومعه قوة من رجاله، خالها الآسيويون ضئيلة، إذ كانت مؤلفة من ثلاثين ألفاً من المشاة وخمسة آلاف من الفرسان (?). وحاول جيش فارسي مؤلف من أربعين ألف مقاتل أن يصد جيش الإسكندر عند نهر غرانيقوس، فخسر الفرس في الواقعة عشرين ألف مقاتل، ولم يخسر الجيش اليوناني إلا 115 رجلاً (144). واتجه