قصه الحضاره (صفحة 1628)

مقدمة المؤلف

إن الغرض الذي أبتغيه من تأليف هذا الكتاب هو أن أجيل الفكر في أصل الحضارة اليونانية ونشأتها وترعرعها واضمحلالها من أقدم العهود التي تدل عليها آثار كريت وطروادة إلى أن فتحت رومة تلك البلاد، وأن أدون ما أهتدى إليه من بحوث في هذا الميدان. وإنى لشديد الرغبة في أن أرى هذه الحضارة المعقدة وأن أحس بها، على ألا يكون إحساسي بها وروايتها مقصورين على البحث في نهضتها وسقوطها بحثا نظرياً مجرداً، بل أريد به بحثاً يتغلغل على البحث في نهضتها وسقوطها بحثاً نظرياً مجرداً، بل أريد به بحثا يتغلغل فيما تشتمل عليه من عناصر حية كثيرة التباين، متعددة الأنواع، منها طريقة أهلها في انتزاع الرزق من الأرض، وفي تنظيم التجارة والصناعة، وما قاموا به من تجارب في الحكم الملكي المطلق، والأرستقراطي والدمقراطى والدكتاتورى، ومن ثورات على حكامهم ونظمهم؛ ومنها عاداتهم وأخلاقهم وطقوسهم الدينية ومعتقداتهم، وتربية أبنائهم وشؤون أسرهم وتنظيم علاقاتهم الجنسية؛ وبيوتهم ومعابدهم وأسواقهم ومسارحهم وميادين ألعابهم؛ وأشعارهم ومسرحياتهم وتصويرهم ونحتهم وعمارتهم ومسيقاهم؛ وعلومهم ومخترعاتهم وخرافاتهم وفلسفاتهم؛ أريد أن أرى هذه العناصر وأن أحس بها لا في عزلتها النظرية العلمية، بل في تفاعلها الحي وأثر كل عنصر منها في سائر العناصر، وأن أبحثها من حيث هي حركة عامة شاملة يقوم بها كائن حي ثقافي عظيم، له مائة عضو ومائة ألف ألف خلية ولكن له جسما واحداً وروحاً واحداً.

ولم هذا العناء كله؟ لأننا لا نكاد نجد شيئاً في ثقافتنا الدنيوية- اللهم إلا آلاتنا لسنا- لسنا مدينين به لليونان فالألفاظ الإنجليزية الدالة على المدارس والملاعب، والحساب والهندسة، والتاريخ، والبلاغة وعلوم الطبيعة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015