والأحياء والتشريح والصحة والأقراباذين، وفن التجميل والشعر والموسيقى، والمآسى والمسالى، والفلسفة، والدين، واللاأدرية، والتشكك، والرواقية والأبيقورية، وعلم الأخلاق، والسياسة، والمثالية، وحب الإنسانية، والكلبية، والاستبداد والبلوتوقراطية والدمقراطية، كل هذه ألفاظ يونانية لصور من الثقافة لم ننشئها نحن إنشاءً بل إنها قد نضجت وترعرعت- خيراً كان ذلك أو شراً- بفضل نشاط اليونان العظيم. والمشاكل التي تقض مضاجعنا في هذه الأيام- كتقطيع الغابات واستئصال أشجارها وما ينشأ عن ذلك من تعرية الأرض وإزالة تربتها، وتحرير المرأة وتحديد عدد أفراد الأسرة، والمحافظة على القديم المستعز، وإجراء التجارب على الجديد في الأخلاق والموسيقى ونظم الحكم، وفساد السياسة والاعوجاج الخلقى، والنزاع بين الدين والعلم، وضعف المعنوية التي تستمدها الأخلاق من خوارق الطبيعة، وحروب الطبقات والأمم والغارات، وثورات الفقراء على الأغنياء الأقوياء من الناحية الاقتصادية، وثورات الاغنياء على الفقراء الأقوياء من الناحية السياسية. والنزاع بين الدمقراطية والدكتاتورية، وبين الفردية والشيوعية، وبين الشرق والغرب، كل هذه الأمور قد اضطربت بها حياة بلاد اليونان الباهرة المتألقة، وكأنها قد اضطربت بها لنتعلم منها نحن ونفيد منها في حياتنا. وقصارى القول أنه ليس في الحضارة اليونانية شيء لا ينير لنا سبل حياتنا.
وسنحاول في هذا الكتاب أن ندرس حياة بلاد اليونان من حيث تفاعل عناصرها الثقافية ومن حيث هي مسرحية كبرى ذات فصول خمسة تبدأ بنهضتها وتختتم بسقوطها. سنبدأ بكريت وحضارتها التي أنيط عنها اللثام من وقت قريب لأن من كريت، كما يبدو لنا ومن بلاد آسية جاءت ثقافة ميسيني mycenae وتيرنز Tiryns التي نشأت فيها قبل الأزمنة التاريخية، فحولت على مهل المهاجرين الآخيين صلى الله عليه وسلمchaeans والغزاة