بعد أن نكون قد فرغنا من هذا الكتاب نكون جميعا - المؤلفان والقراء - قد حقَّقنا نبوءته - إن العالم سيحييّ موته بتنهيدة ارتياح· لقد كان قوّة جرى استنفادها، وظاهرة من ظواهر الطاقة الكافية المتفجرة، طاقة صاعدة حارقة، شعلة ماحقة تلتهم تماما كلَّ من يلمسها· إننا لم نجد في التاريخ روحاً أخرى تحرق بهذه الشدّة وعلى طول هذا المدى· لقد كانت إرادته في البداية متردّدة خائفة كئيبة، لكنه سرعان ما اكتشف أسلحتها ومصادرها في ذهن ثاقب وعين فاحصة، فأصبحت إرادة واثقة مندفعة مهيبة كل ذلك مع فهم وإدراك وقوة، حتى حارت الأرباب معه، فربطت إرادات أقل من إرادته قوة لتتحالف معا وتتعقبه وتحاصره وتقيده إلى صخرة حتى تخمد نيرانه· إنها واحدة من أعظم أنواع الدراما في التاريخ، لا تزال تنتظر كاتبا مثل إيسخيلوس صلى الله عليه وسلمeschylus ليكتبها·
لكن حتى في عصره كان لديه شخص كهيجل Hegel, لم تُعميه الحدود فرأى فيه قوة عالمية - تتحدث من خلاله لوازم الأحداث والظروف - لتحيل التفرّق إلى وحدة· والفوضى إلى معنى مؤثر· هنا - في فرنسا أولا ثم في وسط أوربا - كانت توجد روح العصر Zeitgeist: الحاجة إلى الانضباط والنظام، نهاية الإفراط المدمّر في الحرية الفردية، والإفراط المدمر في تشظِّي الحكم (المقصود تقسيم أوربا إلى كيانات سياسية صغيرة يحكم كل منها حاكم) · بهذا المعنى كان نابليون قوة تقدميّة، أرسى دعائم الاستقرار السياسي، وأعاد القيم الأخلاقية ونظم الهُويّة وحدّث القوانين ونقّاها وقنّنَها (نظّمها)، وحمى الحياة والممتلكات، وأنهى الإقطاع أو خفّف وطأته، وطمأن الفلاّحين وقدم العون للصناعة، وحافظ على العملة الصحيحة، وطهرّ الإدارة والقضاء وطوّرهما وشجع العلوم والفنون (لكنه لم يشجع الأدب وقمع الصحافة) وشيّد المدارس، وجمّل المدن وأصلح بعض ما دمّرته الحرب، وبفضل حثّه وَدَأَبِه تقدّمت أوربا في ظرف الخمسة عشر عاما التي حكم فيها تقدماً ما كان يحدث إلا في خمسين عاما·