قصه الحضاره (صفحة 16087)

أما البطل الذي يواجه التحدي فكان هو نفسه ممزّقاً بين الغرض والرغبة· لقد كان ما يزال يعمل بجد، يراقب كل شيء ويدوّن كل شيء، وأحيانا كان يُملي 150 خطابا في اليوم· لكن فَرْط انتباهه وحذره أوْهنه إذ تبيّن الآن أنه لا يمكنه - إلاّ قليلا - الاعتماد على جنرالاته الجُدد أو مجلسيْه أو الأمة بل ولا حتى على نفسه· لقد كانت الأمراض التي تمكنت منه طوال الست سنوات التالية قد أضعفته بالفعل، لقد وتّره داء البواسير وأذلّه فلم يعد قادرا على العمل لمدة طويلة كما كان حاله أيام تألقه في مارينجو Marengo، وأوسترليتز صلى الله عليه وسلمusterlitz · لقد كان قد فقد شيئا من صفاء ذهنه ووضوح غرضه وثقته القديمة في النصر؛ تلك الثقة التي كانت مصحوبة بالتفاؤل والبهجة· لقد كان قد بدأ يشك في نجمه his star·

اختار نابليون في المساء نفسه الذي وصل فيه باريس وزارة جديدة، لأنه كان في حاجة إلى عونها تماما· واعتراه السرور عندما علم أن لازار كارنو Lazare Carnot منظّم النصر في أثناء الثورة مستعد لخدمته لمواجهة أعدائه لكن نابليون وجده كبير السن (62 عاماً) لا يتحمل معركة حربية، لكن نابليون عينه وزيرا للداخلية باعتباره شخصا يمكن للجميع الوثوق به· ويكاد يكون هذا السبب هو نفسه الذي دعاه لاختيار جوزيف فوشيه Fouche وزيرا للشرطة إذ كان قد بلغ من العمر ستا وخمسين عاما يخشى الجميع بأسه ويشكّون فيه، وكان يدير شبكة خاصة من الجواسيس وتكاد تكون له علاقات سرّية بكل الفرق، وربما أسرع الحاكم الذي هو في عجلة من أمره (نابليون) للاستعانة به بعرض منصبه (منصب فوشيه) القديم عليه، رغبة منه (نابليون) في إحكام مراقبته والتدقيق في أعماله وتوجهاته بالإضافة إلى أن أحداً ما لا يشكك في قدرات فوشيه · وظل فوشيه محتفظا بأوضح رؤية كما كان متمتعا بمرونة لا حد لها طوال معظم الفترة المعقَّدة التالية· لقد كتب في مذكراته:

الإمبراطور في نظري مجرّد ممثل احترق، لن يستطيع إعادة ما كان قد أنجزه· وحتى في أثناء عمله مع نابليون نجده قد تنبأ في نحو نهاية شهر مارس أنه - أي نابليون - لن يستطيع البقاء أكثر من ثلاثة أشهر·

طور بواسطة نورين ميديا © 2015