قصه الحضاره (صفحة 16074)

كيف أمكنه تمويل كل ذلك، وغير ذلك من الأعمال العامة والمشروعات التي حسّن بها أحوال الجزيرة؟ لقد كانت معاهدة فونتينبلو قد ضمنت له مبلغاً سنوياً يأتيه من فرنسا، لكن ذلك لم يحدث، ولم يتلق المبلغ· لقد كان نابليون على أية حال قد أحضر معه 3,400,000 فرنك ذهباً وفضة، وجمع 400,000 ليرة سنوياً من الضرائب وعوائد أخرى· وبعد انقضاء نصف عام راح يفكر في كيفية مواجهة هذه النفقات إذا مكث في الجزيرة أكثر من عام·

وظل لفترة سعيداً بشكل معقول، واضعاً في اعتباره أساليبه الموسّعة (المقصود خططه طويلة المدى)، وفي 9 مايو كتب إلى ماري لويز:

"وصلت هنا منذ خمسة عشر يوماً· لقد اتخذت لي محلَّ إقامة جميلا·· صحتي على ما يُرام· المنطقة (الجزيرة) · مقبولة· لا ينقصني سوى أخبار منك وتأكيدات بأنك على خير ما يرام·· إلى اللقاء يا حبيبتي· قبلة لابني"·

وكان ابن آخر مع أمه الكونتيسة المخلصة فالفسكا Walewska من بين أوَّل من زاره، وظن البحارة والمواطنون أنها الإمبراطورة، فرحبوا بها كما يجري الترحيب بإمبراطورة· وانزعج نابليون فقد كان يأمل أن تلحق به زوجته (ماري لويز) وابنه ملك روما، فاستراح ليوم أو يومين بين ذراعي فالفسكا ثم طردها برفق متعلِّلا بالأحوال· وربما تكون ماري لويز قد سمعت إشاعات مبالغاً فيها عمّا جرى في هذين اليومين·

وفي أكتوبر أتت أمه وأخته بولين للإقامة معه· وقدّمت له بولين جواهرها والتمست عنده الأعذار لما ظهر من مورا Murat من عدم ولاء· واهتمت به أمه اهتماما مفعماً بالعاطفة، وواسته وقدَّمت له كل مدّخراتها· وظلت أمه وأخته معه رغم افتقادهما حيوية الحياة الإيطالية·

ويمكننا أن نتصّور كم كان يعاني بعد الشهور القليلة الأولى من المجال الصغير للجزيرة، وضيقها عن إمكاناته الكبيرة وأحلامه العظيمة· وحاول أن يهرب من الملل بالانهماك في النشاط البدني، لكن ما كان يمضى يوم حتى تأتيه أخبار من البر الأوربي تزيده اضطرابا وتحول بينه وبين الاستقرار·

طور بواسطة نورين ميديا © 2015