وباختصار فإن عصر جوته وبيتهوفن وهيجل كان إحدى الذرى في تاريخ ألمانيا· لقد وصلت ألمانيا أو كادت إلى ذُرى لا تقل عن ذرى سبقت في عصر النهضة الأوربية (الرينيسانس Renaissance) وعصر الإصلاح الديني الأوربي Reformation، لكن حرب الثلاثين عاما حطمت الحياة الاقتصادية والفكرية للشعب وجعلت روح ألمانيا قاتمة وكادت تطرح اليأس على الروح الألمانية طوال قرن· وشيئاً فشيئاً وببطء أدى النشاط والحيوية الكامنان في روح هذا الشعب، والصبر الرواقي stoic patience ( الراضي بالواقع) الذي تتحلى به الألمانيات، وعمق الموسيقى الألمانية وقوتها ومهارة الحرفيين في ألمانيا ونشاط التجار - إلى إعداد ألمانيا لتلقي التأثيرات الأجنبية وهضمها وتحويلها ليتفق مع الذوق الألماني والشخصية الألمانية، ومن أمثلة هذا هضم الألمان لشكسبير وأشعار إنجلترا الرومانسية، وهضمهم لحركة التنوير صلى الله عليه وسلمnlightenment والثورة الفرنسية· لقد طوّرت وعدّلت فولتير إلى جوته وفيلاند Wieland، وطوّرت وعدّلت روسّو إلى شيلر وريختر Richter، وردت على نابليون بحرب التحرير وأفسحت الطريق لإنجازات الشعب الألماني المتعددة في القرن التاسع عشر·
إن الحضارة مجال تعاون كما أنها مجال منافسة، وعلى هذا فإنه لأمر طيب أن يكون لكل أمة ثقافتها وحكومتها واقتصادها وأزياؤها وأغانيها· إنها - أي الحضارة - قد أخذت أشكالاً مختلفة من النظم والتعبيرات لتصنع الروح الأوروبية على هذا القدر من الذكاء والمهارة والتباين، ولتصنع من أوربا اليوم فتنة جميلة لا ينتهي جمالها، وتراثاً لا ينضب·