قصه الحضاره (صفحة 15900)

إننا عند تناولنا لفلسفة فيشته نحس بقلق إنسان يتلمس طريقه بعد أن فقد إيمانه الديني المتوارث لكنه يناضل كي يجد لنفسه وقرائه أو تلاميذه طريقا وسطاً بين الإيمان والشك· وفي سنة 1798 واجه المشكلة (القضية) مرة أخرى في مبحثه (على أساس معتقدنا في الحكم المقدس للكون العالم) · لقد أعاد مفهومه لله سبحانه رافضا أن يكون الله شخصا (مشخصا) وإنما هو النظام الأخلاقي غير المشخص للكون، لكنه (أي فيشته) سمح بأن يعزى إلى هذا النظام شيء من (الشخصية) أو (التشخيص) (أي جعله مشخصا على نحو قليل) لإضفاء الحيوية·

وعلى أية حال فقد أضاف أننا لو تصورنا الله كطاغية اعتمادا على ما سيقدمه لنا من مسرات ومباهج في المستقبل، فمعنى هذا أننا نعبد وثنا، والذين يعبدون إلها على هذا النحو حري بنا أن نسميهم وثنيين·

وظهر مقال لم يذكر اسم مؤلفه يصف مبحث فيشته السابق بأنه مناهض للدين (المفهوم طبعا المسيحية بمعناها التقليدي) وشارك آخرون في الهجوم، فصادرت حكومة سكسونيا Saxony كل النسخ المتاحة من مبحث (مقال) فيشته، وقبلت شكوى مؤداها أن حكومة فيمار تسمح للإلحاد (المقصود هنا الخروج عن العقيدة المسيحية التقليدية) بأن يصبح موضعا للدرس في مناطقها· وحاولت اللجنة التعليمية في فيمار تهدئة الأمر برد مهذب على السكسونيين، لكن فيشته لم يكن مسالما فأصدر نشرتين (كتيبين) للدفاع عن كتابه (1799) أمام العامة، كانت نشرة منهما تحوي ردا مباشرا (نداء للجماهير)، فاعتبرتها لجنة فيمار التعليمية تحديا لطريقتها في معالجة الأمر ووصلته شائعة مفادها أن اللجنة ستطلب من مجلس الجامعة توجيه اللوم له علنا·

وساق فيشته الأدلة على أن هذا الإجراء سيسيء للحرية الأكاديمية وكتب إلى عضو المجلس الملكي في فيمار مهددا بالاستقالة إذا أصدرت الجامعة هذا اللوم وأضاف أن أساتذة آخرين وافقوا على تقديم استقالتهم تضامنا معه فأصدرت اللجنة التعليمة في فيمار (بموافقة جوته وشيلر) بلاغاً لمجلس الجامعة يرغبها في توجيه اللوم له وقبلت الجامعة تهديد فيشته وتحديه ففصلته، وقدم الطلبة ملتمسين لإعادة أستاذهم، فتجاهلتهما الجامعة·

طور بواسطة نورين ميديا © 2015