قصه الحضاره (صفحة 12530)

النباتات" (1788) و"هيكل الطبيعة" (1802). وقد أعرب هذا الكتاب الأخير عن أفكاره التطورية. فبدأ بتأكيده أن التوالد الذاتي هو أكثر النظريات احتمالا في أصل الحياة. قال شعراً:

"إذن بغير أبوين، وبالتوالد التلقائي، ظهرت أول ذرات الأرض النابضة بالحياة ... وولدت الحياة العضوية تحت الأمواج الطاغية وعذبت في كهوف المحيط اللؤلؤية؛ أولا تتحرك كائنات دقيقة لا ترى بالمجهر على الوحل، أو تخترق اليم؛ وبعد أن تتفتح منها أجيال متعاقبة، تكتسب قدرات جديدة، وتتخذ لها أطرافاً أكبر، ومن ثم تظهر مجاميع لا حصر لها من النبات، وممالك حية تتنفس من ذوات الزعانف والأرجل والأجنحة (127) ".

وهكذا تطورت الحياة من الكائنات البحرية إلى البرمائية في الطين، ثم إلى الأنواع التي لا تحصى في البحر والبر والجو. ونقل الشاعر عن بوفون وهلفتيوس آراءهما في خصائص تشريح الإنسان دليلا على أن الإنسان مشى في الماضي على أربع، وأنه لم يكمل بعد تكيفه لوضعه المنتصب. وقد ارتقى نوع من القردة باستعماله قوائمه الأمامية أيادي، وتطويره الإبهام قوة موازنة مفيدة للأصابع. وفي كل مراحل التطور صراع بين الحيوانات على الطعام والأزواج، وبين النباتات على التربة، والرطوبة، والضوء، والهواء. وفي هذا الصراع (في رأى إرزمس داروين) حدث الارتقاء بتطور الأعضاء نتيجة محاولات لتلبية الحاجات الجديدة (لا بالانتقاء الطبيعي لتغيرات مصادفة تساعد على البقاء كما سيقول تشارلز داروين)؛ والنباتات تنمو بجهودها للحصول على الهواء والضياء. وقد سبق هذا الطبيب في كتابة "زونوميا" لامارك بقوله: "من أن كل الحيوانات تمر بتغييرات تحدث جزئياً بجهودها الخاصة، استجابة للذة والألم، وكثير من هذه الأشكال أو الميول المكتسبة تتحد إلى ذراريها (128) ". ولسان الماشية الخشن لشد أوراق العشب، ومنقار الطائر لالتقاط الحب. وأضاف الطبيب إلى هذا كله نظرية التلوين الوقائي: "هناك أعضاء طورت لأغراض وقائية، تغير شكل الجسم ولونه للاستخفاء أو القتال" (129). ثم اختتم كلامه بلمحة جليلة اشتملت دهوراً طويلة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015