قصه الحضاره (صفحة 12528)

الجديدة بطريق الانتقاء البيئي لأشكال عارضة صالحة للبقاء. قال العالم المنكود الحظ الذي كتب عليه أن يقع بعد قليل فوق قلم فولتير السليط:

"أن كل جزئ من الجزيئات البدائية التي تؤلف الجنين مشتق من البيان الأبوي المقابل له، ويحتفظ بضرب من الذكرى لشكله الأسبق. ومن ثم نستطيع أن نعلل في غير عناء تكون الأنواع الجديدة ... إذا افترضنا أن الجزيئات البدائية قد لا تحتفظ دائماً بالترتيب الذي تكون عليه في الأبوين، بل تولد بالصدفة فروقاً تسفر بتكاثرها وتراكمها عن الأنواع التي لا حصر لها، والتي نشهدها اليوم" (123).

وهكذا يستطيع نموذج أصلي واحد إذا ترك له الوقت الكافي، أن يولد جميع الأنواع الحية (في رأي موبرتوي) -وهي قضية قبلها بوفون من قبيل الاجتهاد، ولقيت الاستحسان الحار من ديدرو.

وعاد جان باتيست روبينيه، في كتابه "عن الطبيعة" (1761) إلى فكرة أقدم عن التطور تقول بأنه "سلم من الكائنات": فالطبيعة كلها سلسلة من المحاولات لإنتاج كائنات أكثر وأكثر رقياً، وكل الكائنات- طبقاً لقانون لايبنتس في الاستمرارية (الذي لم يعترف بأي انفصام بين أحط الكائنات وأرقاها)، حتى الأحجار، ما هي إلا تجارب تشق بها الطبيعة طريقها صعدا خلال المعادن، والنباتات، والحيوانات، إلى الإنسان. وما الإنسان إلا مرحلة في هذه المغامرة الكبرى، سوف تحل محله يوماً ما كائنات أرقى منه" (124).

أما القاضي الاسكتلندي جيمس بيرنت، لورد مونبودو، فقد كان داروينياً قبل داروين بزهاء قرن. ففي كتابة "أصل اللغة وتقدمها" (1773 - 92) صور إنسان ما قبل التاريخ كائناً بغير لغة وبغير نظام اجتماعي، لا يتميز إطلاقاً عن القردة من حيث مدركاته العقلية أو طرقه المعيشية. فالإنسان والأورانجوتان (كما قال إدوارد تايزن في 1699) ينتميان لجنس واحد، والأورانجوتان (يقصد به مونبوده الغوريلا أو الشمبانزي) إنسان فشل في أن يتطور. ولم يتطور إنسان ما قبل التاريخ ليصبح الإنسان البدائي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015