وقد وافق ريامور فولتير على أن في الإمكان تفسير سلوك الكائنات الحية وبنياتها دون افتراض قوة في الطبيعة، وكانت مجلداته ذخيرة استعان بها أولئك الذين قاوموا التيار الإلحاد الذي تدفق بعد حين في فرنسا. واحتقره ديدرو لإنفاقه الوقت الكثير على دراسة البق (120)، ولكن أمثال هذا العمل المدقق هي التي أرست الأسس الواقعية للبيولوجيا الحديثة.
ترى ماذا قال ديدرو بالضرورة حين سمع أن شارل بونيه، صديق ريامور، قد برهن على الولادة العذرية parthenogenesis في مملكة الحيوان؟ فلقد وجد بعزل من الأحاديث منّ حديث الولادة aphids ( وهو قمل الشجر الذي يعشق أشجار البرتقال) إن أنثى هذا النوع تستطيع إنسال ذرية مخصبة دون أن تضطر إلى تلقى العنصر الذكر المطلوب في الأخصاب عادة؟ إذن فهدف الجنس فيما يبدو ليس مجرد التناسل، بل إثراء الذرية بشتى الصفات التي يسهم بها أبوان مختلفا المواهب. وقد وصفت هذه التجارب التي أبلغت لأكاديمية العلوم في 1740 في كتاب بونيه "رسالة في علم الحشرات" (1745) وأشار بونيه في كتابة "أبحاث ... في النباتات" (1754) إلى أن لبعض النباتات قوى للحس، بل للتمييز والانتقاء، وإذن فقدرة على الحكم- وهذا سر الذكاء.
وبونيه هذا - الذي ولد بجنيف-أول من طبق اصطلاح "التطور envalution على البيولوجيا فيما يبدو (121)، وعنى به سلسلة الكائنات من الذرات إلى الإنسان. وفكرة التطور، بمعنى النمو الطبيعي لأنواع جديدة من أخرى قديمة، ظهرت مراراً في علم القرن الثامن عشر وفلسفته. ومن ذلك أن بنوا دماييه ألمع في كتابة "تياميد" الذي صدر بعد موته (1748) إلى أن جميع الحيوانات البرية تطورت من كائنات بحرية قريبة منها بطريق تغير النوع بتغير البيئة؛ وهكذا تولدت الطيور من السمك الطائر، والسباع من سباع البحر، والإنسان من أناسي البحر. وبعد ثلاث سنوات لم يكتف كتاب موبرتوي "نظام الطبيعة"بتصنيف القردة مع البشر نوعين متقاربين (122)، بل سبق -في خطوط عريضة- نظرية داروين في تطور الأنواع