قصه الحضاره (صفحة 12526)

استشعاره المترعصة المتحسسة. ونحن نعرفه أيضاً باسم الهيدرا hydra نسبة إلى الوحش الخرافي (الافعوان) ذي الرؤوس التسعة (الذي كلما قطع هرقل رأساً منها نبت اثنان في مكانه. وقد استعمل "الهيدرا" في دنيا الأدب تشبيهاً له مائة ألف حياة.

ورينيه أنطوان دريامور هذا كان علما لا يبزه في بيولوجيا العصر الذي نحن بصدده غير بوفون، وكان يفوق بوفون كثيراً في دقة الملاحظة. هيأ لمهنة الطب، ولكنه هجرها حالما تحقق له الاستقلال المالي، وكرس نفسه للبحث العلمي. خبر إثنى عشر ميدان. ففي 1710 كلف بأن يمسح ويصف صناعات فرنسا وفنونها الصناعية، فقام بالمهمة بما عهد فيه من إتقان وقدم توصيات أفضت إلى إنشاء صناعات جديدة وإحياء أخرى أصابها الاضمحلال وابتكر طريقة لتصفيح الحديد ما زالت مستعملة. وبحث في الفروق الكيميائية بين الحديد والصلب. وأتته هذه الإسهامات وغيرها في علم المعادن بمعاش قدره اثنا عشر ألف جنيه من الحكومة، فأعطى المال لأكاديمية العلوم. وقد مر بنا بحثه في الترمومتر.

وفي غضون هذا راح يثري اليولوجيا. ففي 1712 أثبت أن في استطاعة جراد البحر (اللوبستر) أن يجدد طرفاً مبتوراً من أطرافه. وفي 1715 وصف الصدمة الكهربائية التي يحدثها السمك الرعاد-وصفاً صحيحاً. وفيما بين عامي 1734و1742 نشر رائعته "مذكرات ينتفع بها في تاريخ الحشرات" -وهي ستة مجلدات موضحة برسوم دقيقة، ومكتوبة بأسلوب ساحر ينبض بالحياة، جعل الحشرات قريبة في طرافتها من العشاق في روايات كريببون (الابن) الغرامية. ولقد استهواه كما استهوى قابر في أيامنا هذه:

"كل ما يمت إلى أخلاق الكثير من الحيوانات الصغيرة -إن جاز هذا التعبير- وعاداتها ومعيشتها. فلقد لاحظت طرق عيشتها المختلفة، وكيف تحصل على قوتها، والحيل التي يصطنعها بعضها للقبض على فريسته، وأسباب الحيطة التي يتخذها غيرها اتقاء للأعداء ... -وانتقاء الأماكن التي تضع فيه بيضها حتى تجد صغارها حين تفقس طعاماً صالحاً لها لحظة خروجها للحياة" (119).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015