قصه الحضاره (صفحة 12524)

بصحة سابغة حتى بلغ الثانية والسبعين. ثم بدأ يشكو الحصى، ولكنه واصل العمل، وأبى أن تجرى له جراحة. وأفسح له في الأجل تسع سنين أخر، ومات في 1788. ومشى في جنازته عشرون ألفاً. ولكن لم تكد تمضي سنة على موته حتى نبشت رفاته وذريت في الريح، وسوى تمثاله بالتراب، بأيدي الثوار الذين لم يستطيعوا أن يغفروا له أنه كان نبيلا، أما ابنه فقد أعدم بالجيلوتين (115).

ب- نحو التطور

بدأ علم الأحياء الذي تزعمه هذا الأستاذ الفذ في نظرته، وصبره، ونثره، في إغراء المزيد من الطلاب وتحويلهم عن الرياضة والفيزياء اللتين استأثرتا بمعظم العلماء في القرن السابع عشر. وقد أحسن ديدرو ببعض هذا التغير، وهو الذي تأثر بجميع تيارات عصره، فكتب في 1754 يقول "في هذه اللحظة نصل إلى ثورة كبرى في العلوم. وأنى إذ ألحظ الميل الذي تستشعره أفضل العقول لدراسة الفلسفة الأخلاقية، والأدب، والتاريخ الطبيعي، والفيزياء التجريبية، أجرؤ على التنبؤ بأنه قبل أن تنقضي مائة سنة أخرى لن يكون لدينا ثلاثة رياضيين كبار في أوربا" (116). وقد شهد عام 1759 ذروة البيولوجيا الحديثة.

وقد فت في عضد هذا العلم الجديد (الأحياء) معضلته الأولى -وهي أصل الحياة. وبذلت المحاولات الكثيرة لإثبات إمكان توليد الحياة ذاتياً من المادة غير الحية. ودبت الحياة من جديد في نظرية التولد الطبيعي أو الذاتي abiogenesis القديمة نظراً إلى كثرة ما وجد بالمجهر من كائنات دقيقة في قطرة ماء، وذلك برغم ما وضح من تفنيد ريدي لهذه النظرية في 1668. ففي 1748 أحيا النظرية جون نيدام، وكان قسيساً كاثوليكياً إنجليزياً يسكن القارة، بإعادته تجارب ريدي وحصوله على نتائج مختلفة عن نتائجه. فقد إلى بعض مرق الضأن في قوارير سدها فوراً بفلين وختم عليها. فلما فتح القوارير بعد أيام وجدها تعج بالكائنات الحية. ولما كان الغلي- في رأي نيدام- كفيلاً بقتل أي جراثيم حية في المرق، ولما كانت القوارير قد أحكم ختمها بالصمغ، فقد استنتج أن كائنات جديدة تولدت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015