كلا -وأيم الله- لقد كان في فؤاد ذلك الرجل ابن القفار والفلوات، المتوقد المقلتين، العظيم النفس، المملوء رحمة وخيرا وحكمة، وحِجى-أفكار غير الطمع الدنيوي، ونوايا خلاف طلب السلطة والجاه، وكيف لا، وتلك نفس صامتهٌ كبيرة، ورجل من الذين لا يمكنهم إلا أن يكون مخلصين جادين؛ فبينما ترى آخرين يرضون الاصطلاحات الكاذبة، ويسيرون طبق الاعتبارات الباطلة إذ ترى محمدا لم يرض أن يتلفع بمألوف الأكاذيب، ويتوشح بمبتدع الأباطيل.
لقد كان منفردا بنفسه العظيمة، وبحقائق الأمور والكائنات، لقد كان سر الوجود يسطع لعينيه-كما قلت- بأهواله، ومخاوفه، وروانقه، ومباهره، ولم يكن هناك من الأباطيل ما يحجب ذلك عنه، فكان لسان حال ذلك السر الهائل يناجيه: ها أنا ذا، فمثل هذا الإخلاص لا يخلو من معنى إلهي مقدس، وما كلمة مثل هذا الرجل إلا صوت خارج من صميم قلب الطبيعة، فإذا تكلم فكل الآذان برغمها صاغية، وكل القلوب واعية، وكل كلام ماعدا ذلك هباء، وكل قول جفاء))
إلى أن قال: ((إذا فلنضرب صفحا عن مذهب الجائرين أن محمدا كاذب، ونعد موافقتهم عارا، وسبة، وسخافة، وحمقا؛ فلنربأ بأنفسنا عنه))