ذكريات حبه القديم، وطفق ينظر من وراء خمسة وعشرين عاماً إلى تلك الفتاة التي أذاقته السعادة، ونازعته نفسه إلى الاعتراف بابنها علناً ثم ثناه أنه لم يحن الوقت بعد، فليتربص ولينتظر. ولكنه شيخ كبير هو هامة اليوم أو غد، فمن هو الذي يحمّله هذا السر الذي يضيق به صدره؟ ليس له إلا صدر معاوية، «كسرى العرب».
ودعا معاوية فقال له:
"اسمع يا معاوية. أتعرف الفاكه بن المغيرة؟ لقد كان هذا الرجل زوجَ أمك هند بنت عتبة بن ربيعة، التي جمع الله لها كبر النفس وشرف الوالد، فلم يقوَ على حفظ هذه الأمانة. واختلفا، وتحاكما إلى بعض كهّان اليمن.
وجزعت أمك وخافت، فقال لها أبوها عتبة: إنى أرى ما حل بك من تنكّر الحال، وما ذاك إلا لمكروه عندك. قالت: لا والله يا أبتاه، ما ذاك لمكروه، ولكني أعرف أنكم تأتون بشراً يخطئ ويصيب ولا آمنه أن يَسِمني ميسماً يكون عليّ سُبَّة.
قال: إني سوف أختبره لك. وخبأ له خبيئة فعرفها، ثم قدموا إليه أمك في نسوة، فجعل يدنو من إحداهن فيضرب بيده على كتفها ويقول: انهضي، حتى دنا من أمك، فقال لها: انهضي غير متهَمة ولا جانية، وستلدين ملكاً يقال له: «معاوية». فنهض إليها الفاكه فأخذ بيدها، فنترت يده وقالت: إليك عني؛ فوالله لأحرصنّ على أن يكون ذلك الملك من غيرك" (?).