لقد كان حبك لي نقياً كماء السماء، أنا الطائر الضعيف الذي حطم الدهر جناحيه فألِفَ حياة الأرض مع الحشرات والهوام، فجئت أنت من السماء لترفعه بجناحيك القويين إلى السماء، فرفعته حتى استطاع أن يحلق فيها، ولكن هذا التراب الذي ظلّ عالقاً به غبّر جناحك أيها الصقر، أفلا تعفو؟
قد قنعت بك من الحياة حتى ما أبالي إذا وجدتك ماذا خسرت، ولكن بماذا أقنع وقد خسرتك أنت؟ أتذكر ساعة جلسنا إلى الصخرة وحيدَين والطير ترتل صلاة المساء، والشمس نائمة على سرير الأفق صفراء كأنها مريضة كاد يختفي رأسها بين الوسائد، ونحن متعانقان، صدري إلى صدرك، وعيناي إلى عينيك، ثم نبهتني إلى مشهد الغروب فطفقنا ننظر إليه مشدوهين حتى غبنا في قرارة حلم ممتع من أحلام الحياة.
أتذكر؟ أتذكر مسرانا في هذه الغابة الصغيرة الملتفة وقد خلونا فيها وحدنا وتركنا الدنيا بضجتها وصخبها، نمشي وحيدين ليس معنا إلا الحب الذي يربط بين قلبينا، نتلفّت حولنا فلا نرى إلا جذوع الأشجار المتعانقة تتسلل من كل جهة حتى يضل البصر طريقه خلالها، وأغصانها متشابكة من فوقنا كأنها سقف مرفوع ... لم أكن أشعر بالوحدة لأنك معي، وهل كنت أبتغي من دنياي أكثر من ذلك؟ حسبي أنت من الدنيا. أتذكر ذلك؟
أتذكر تلك الشجرة المنعزلة الوحيدة التي كان لها في تاريخ حبي أجمل الآثار، أما أنا فساهرة أذكرها وأفكر فيها!
لماذا أذقتني لذة الحب؟ لقد كنت راضية بالحياة مطمئنة