سعتها، ويجد في العش الضيق الذي يلجأ إليه مع محبوبه دنيا واسعة. ويتألم المحب في اللذائذ إذا لم يذقها معه من يحب، والطبيعة الجميلة سواد في عين المحب قاتم إذا لم تُنِرْها مقلتا المحبوب.
كان عمل الفتاة أن تطوف كل يوم بهذه المنازل التي وُلد فيها حبها ونما، تتفكر وتتذكر وتقبل الأحجار والأشجار، وتسير مع الوهم أحياناً فتظن بأن الحبيب حاضر معها فتهم بعناقه وبثه شكواها، ثم تجدها وحيدة فيَجِبُ (?) قلبها وتشتد خفقاته، وتسقط على وجهها فتبكي وتذوب وحيدة لا يدري بها إلا الله. وكانت تأمل أن يعود فتنظره على الطريق وترقب الدقائق، فإذا تصرّم النهار ولم تره عادت إلى منزلها آيسة محزونة.
وانتفخ بطنها من الحمل، فباتت تحمل أثقال الحب في بطنها وقلبها. وعزفت عن الطعام والمنام، فرقّ جلدها وتهافت جسدها، فلم يعد في طوقها أن تطوف بمناسك حبها ومنازل هواها، فكانت تحيي الليل ساهرة مؤرقة، تناجي النجم وتسائل الليل عن حبيبها، وتخاطبه من وراء الصحراء كأنه معها:
"أين أنت أيها الحبيب؟ هل تنام الساعة آمناً مطمئناً، أم أنت بين ذراعي غيري، قد نسيتني ومحوت من نفسك ذكرى هذه البغي التي طهرتها بحبك ولكنها لوثت شرفك ومجدك بماضيها الدنس؟