هذه الأماكن التي عرفت فيها السعادة، ولكنها لا تجد في كل ذلك إلا الألم. إن كلّ ما ترى يذكّرها بالحبيب فيزيدها لوعة، ومتع ليالي السعادة تستحيل إلى آلام.

فيا ليت الإنسان لا يذكر، إذن لما تألم! إن ذكرى اللذة مؤلمة، وذكرى الألم لا تسر .. أوَليس من أكبر النعم على الإنسان أن ينسى! لولا النسيان كانت الحياة لا تطاق.

لقد قوي حبها واشتد، ولكنه استحال من طفل يرقص في شعاع الشمس يلهو بالألاعيب إلى شيخ يائس يتأمل في الظلام. لقد نزع ثوب الفرح الزاهي ولبس ثوب الكآبة القاتم. لقد انحصرت حياتها في أمر واحد هو التفكير في الحبيب الذي أكسبه طول الفكر صورة سحرية بارعة لا يملكها بشر، فكانت تقيس مَن ترى من الرجال بهذه الصورة التي استقرت في خيالها فلا يعجبها رجل ولا تحفله، بل لو أنها نظرت إلى صاحب هذه الصورة بشكله الحقيقي لما أعجبها!

أرادت أن تُغرق غرامها في لجة العبادة، فكانت تؤم معبد قومها في الصباح الباكر فلا تجد في هذه الآلهة المصنوعة من الحجر ما يثير في نفسها الورع والخشوع، وتتمثل لها مطرقة النحّات الذي صنع هذه الآلهة ... فتعاف عبادتها ولا يروقها منها ما كان يروقها.

ما أشقى المحبين! يمشون كما يمشي الناس، ويأكلون كما يأكلون، ولكنهم يعيشون في دنيا لا يعرفها الناس ولا يصلون إليها. تضيق الدنيا بالمحب إذا جفاه محبوبه حتى ليكاد يختنق فيها على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015