إليك، أفتنسينني إذا أنا ذهبت؟ أتلقين بنفسك في أحضان غيري؟ لا، لا؛ إنك لن تنسي، إنك ستقومين على تربية ابننا، ستنشئينه على العظمة والمجد ليكون رجلاً يحمل قسطه من إرث أبيه. وإذا سألك عن أبيه فلا تخبريه من هو أبوه. دعيه ينشأ مستقلاً كالزهرة المنبثقة من صخر الجبل، ويعيش حراً كالطائر الذي يغرد على كل غصن. لا تخبريه من هو أبوه، بل أعديه لفهم هذه الحقيقة، حتى إذا صار أهلاً لفهمها، وغدا كفواً لحمل هذا الاسم كنت أنا الذي يخلعه عليه، وإن لم أكن حياً فسأدع له من يخلع عليه اسمي.
* * *
ووقفت الفتاة تنظر إليه وهو ينحدر في هذا الطريق الضيق، الذي يختفي حيناً وراء الصخر ثم يظهر ويوالي سيره نحو الرمال، حتى غاب عن ناظريها، فتلفتت تلقاء البلد فإذا هي تنكره، وإذا هي لا تعرف من هذه الدنيا شيئاً بعد أن غابت عنها دنيا الحب. فخفق قلبها واضطرب، وجعلت تنادي حبيبها وتلح في النداء، وتشير إليه وقد غاب عن ناظريها وراء الأفق البعيد. فلما لم تجد مُجيباً تيقنت أنها لن تلقاه أبداً، فخرّت على وجهها باكية منتحبة.
ولم يبقَ لها من الحياة إلا ذكريات هذا الحب الذي وُلد شاباً قوياً ولكنه مات طفلاً صغيراً، وهذا المال الذي أبقاه لها الحبيب تنفق منه على نفسها وولدها. فكانت تتألم وحيدة كشمعة تشتعل في البهو الخالي، وتقهر نفسَها الأحزانُ فلا تجد من تبثه أحزانها. لم يكن لها إلا الحب، فكانت تعانق طيف حبها في الليل وتسايره في الطريق، وتناجيه في الصباح وتناغيه في المساء، وتصحبه إلى