كانا يلتقيان دائماً فيتحدثان عن ماضيهما وحاضرهما، ويكشف لها من أسرار قلبه مثلما تكشف له من أسرار قلبها، فكان هذا التكاشف طريق الوحدة والفناء في الحب؛ حتى إذا لم يبق لأحدهما سر يكتمه عن الآخر، لم يبق له «أنا» ينفرد بها عنه.
لقد طهرها حبه، وصهر ماضيها الملوث فأحاله بنار الهوى جوهراً خالصاً، ورفعها من الحضيض الضيق الذي كانت تتقلب في ظلماته إلى سماء عالية رحيبة. وليس كالحب (إذا لم يكن في حرام) مطهراً للنفوس، ومصلحاً للأمم، وحافزاً إلى الفضيلة.
لولا الحب ما أشرقت الشمس وغمرت الأرض بنور ربها ولا منحتها الدفء والحياة. ولولا الحب ما التفّ الغصن على الغصن في الغابة النائية، ولا عطفت الظبية على الطلا في الكِناس (?) البعيد، ولا حنا الجبل على الجبل في الوادي المتعزل، ولا أمد الينبوع الجدول الساعي نحو البحر. ولولا الحب ما بكى الغمام لجدب الأرض، ولا ضحكت الأرض بزهر الربيع، ولا كانت الحياة.
كانا يخرجان كل غداة حين تبسم الشمس بسمتها الأولى، فيجلسان على هذه الصخرة المنفردة المطلّة على البساتين القريبة والقفار البعيدة، فيشاركان العصافير غناءها، والورد ضحكه، والنسيم همسه، والنور طهره وصفاءه. فيتحدثان ويتناغيان كحمامتين ضمهما وكر، وهما ينظران إلى الرعاة يسوقون أغنامهم