الطهر والعفاف. حتى بلغت الدار فدخلت ودعته إلى الدخول، ثم أغلقت الباب ووقفت بين يديه تنظر ما يريد.
يا لهذه المسكينة التي عاشت وسط الرجس، ولكن قلبها ظل نقياً طاهراً لأن الخطيئة لم تصل إليه. فلم يُبدِ الرجل حراكاً، فجعلت تنظر إليه حائرة وقد بدأت تخشاه وتظن به الظنون. ما له لا يصنع ما يصنع سائر الرجال، يأخذونها عارية كشعاع القمر، فيعبثون بها ويسخّرونها للذّاتهم كأنما هي أداة لا تعقل ولا تشعر، ثم يلقونها كما يلقي المرء برتقالة امتصّها حتى لم يدع فيها إلا قشرة خالية من الماء.
ما له لا يفعل شيئاً من هذا؟ إنه ينزع ثوبه فيلقيه عليها يحفظها من برودة الليل، فيبدو من ورائه شبابه وجماله وثيابه الغالية، ثم يأخذها برفق ويجلسها على ركبتيه، وينطلق يسائلها عن أصلها ومنبتها، ويلقي في أذنيها من أحاديث الحب ما لم تسمع مثله من قبل، فيحيي في نفسها الطهر والفضيلة، ويغسلها من أدران هذه الحياة الداعرة فتحس كأن جناحيها اللذين حطمتهما يد الأيام قد نبتا من جديد، وتحس بأن هذا السيد الذي هبط عليها هذه الليلة هبوط ملك الرحمة يطير بها في آفاق طال عهدها بفراقها، آفاق واسعة كلها نور وعطر. وتذوق المرة الأولى لذة العاطفة التي تمتزج بها النفسان وتتحدان، وتعرف حرارة الصدر المحب وحلاوة العناق اللذ (?).