ولون، فانطلقت تبكي، وذهبت هائمة على وجهها حتى ابتعدت عن هذه البيوت، وإذا هي بشبح يسير في شعاع القمر متشحاً بثوب أسود لا يبين منه شيء، فظنته من رجالها ومشت إليه، فلما رآها ارتاع وارتد، وعجب أن يرى فتاة صغيرة كأنما هي حوراء من حور الجنان تسير تحت ذوائب الليل، وسألها: ما لك أيها الفتاة؟
- ما لي؟ ماذا ترى فيّ؟
فلم يجب وجعل يحدق فيها تحديقاً شديداً مأخوذاً بجمالها، وهي تنظر متعجبة، لأنها كانت من السذاجة والصفاء بحيث لا تدري جمالها وفتنتها، ولأنها لم تجد من الرجال من يرفع عينيه إلى وجهها، وإنما وجدتهم جميعاً يخفضون عيونهم إلى غير الوجه. فما بال هذا الرجل؟
ومرت دقائق حسبها كل منهما دهراً طويلاً، ثم قال لها بصوت حلو رقيق (وقد أشفق عليها أن تنال برودةُ الليل من هذا الجسم اللدن الناعم الذي خُلق لينعم بدفء الحب): لِمَ لا تدخلين إلى دارك؟
فأجابته هذا الجواب الذي ألِفَته حتى ما تفكر في معناه، ولا تدري منه إلا أنه واجب عليها يجب أن تؤديه كآلة جامدة: بعشرة دراهم ... هل تدخل؟
ووثبت بين يديه تسعى إلى الدار بخفة ظبي أفلت من شبكة الصياد، وتبعها حزيناً متألماً، يفكر في هذا الجمال كيف تعلق به الأرجاس، ويأسى لها ويتمنى لو استطاع أن يسمو بها إلى أفق