الطرق، نحن شققنا هذه الترع، نحن زرعنا هذه الأشجار. ولكن منذ أربعين سنة ... أسامع أنت؟ منذ أربعين سنة خُدع الملك البائس، أبو عبد الله الصغير، آخر ملوكنا في هذه الديار، بوعود الإسبان وعهودهم، فسلمهم مفاتيح غرناطة، وأباحهم حمى أمته ومدافن أجداده، وأخذ طريقه إلى بر المغرب ليموت هناك وحيداً فريداً شريداً طريداً. وكانوا قد تعهدوا لنا بالحرية والعدل والاستقلال، فلما ملكوا خانوا عهودهم كلها، فأنشؤوا ديوان التفتيش، فأدخلنا في النصرانية قسراً، وأجبرنا على ترك لغتنا إجباراً، وأخذ منا أولادنا لينشئهم على النصرانية. فذلك سر ما ترى من استخفائنا بالعبادة وحزننا على ما نرى من امتهان ديننا وتكفير أولادنا. أربعون سنة يا بني، ونحن صابرون على هذا العذاب الذي لا تحمله جلاميد الصخر، ننتظر فرج الله، لا نيأس لأن اليأس محرم في ديننا، دين القوة والصبر والجهاد. هذا هو السر يا بني فاكتمه، واعلم أن حياة أبيك معلقة بشفتيك. ولست والله أخشى الموت أو أكره لقاء الله، ولكني أحب أن أبقى حياً حتى أعلمك لغتك ودينك وأنقذك من ظلام الكفر إلى نور الإيمان، فقم الآن إلى فراشك يا بني.
* * *
صرت من بعد كلما رأيت شرف الحمراء أو مآذن غرناطة تعروني هزة عنيفة، وأحس بالشوق والحزن والبغض والحب يغمر فؤادي، وكثيراً ما ذهلت عن نفسي ساعات طويلة، فإذا تنبهت رأيتني أطوف بالحمراء وأخاطبها وأعاتبها، وأقول لها: