قال: هذا كتاب الإسلام، الإسلام الذي بعث الله به محمداً إلى الناس كافة. فظهر هناك ... وراء البحار والبوادي ... في الصحراء البعيدة القاحلة ... في مكة، في قوم بداة مختلفين، مشركين جاهلين، فهداهم به إلى التوحيد، وأعطاهم به الاتحاد والقوة، والعلم والحضارة، فخرجوا يفتحون به المشرق والمغرب حتى وصلوا إلى هذه الجزيرة، إلى إسبانيا. وكان ملكها جباراً عاتياً وحكومتها ظالمة غاشمة وشعبها مظلوماً فقيراً جاهلاً متأخراً، فقتلوا الملك الجبار، وأزالوا الحكومة الظالمة، وملكوا الأمر في إسبانيا، فعدلوا بين الناس وأحسنوا إليهم، وأمّنوهم على أرواحهم وأموالهم، ولبثوا فيها ثمانمئة سنة ... ثمانمئة سنة، جعلوها فيها أرقى وأجمل بلاد الدنيا. نعم يا بني، نحن العرب المسلمين ...
فلم أملك لساني من الدهشة والعجب والخوف، وصحت به: ماذا؟! نحن؟ ... العرب المسلمين!
قال: نعم يا بني؛ هذا هو السر الذي سأفضي به إليك. نعم، نحن؛ نحن أصحاب هذه البلاد، نحن بنينا هذه القصور التي كانت لنا فصارت لعدونا، نحن رفعنا هذه المآذن التي كان يرن فيها صوت المؤذن فصار يُقرع فيها الناقوس، نحن أنشأنا هذه المساجد التي كان يقوم فيها المسلمون صفاً بين يدي الله، وأمامهم الأئمة يتلون في المحاريب كلام الله، فصارت كنائس يقوم فيها القسوس والرهبان، يرتلون فيها الإنجيل ... نعم يا بني؛ نحن العرب المسلمين، لنا في كل بقعة من بقاع إسبانيا أثر، وتحت كل شبر منها رفات جد من أجدادنا أو شهيد من شهدائنا. نعم؛ نحن بنينا هذه المدن، نحن أنشأنا هذه الجسور، نحن مهدنا هذه