محمد الصغير

قال:

كنت يومئذ صغيراً لا أفقه شيئاً مما كان يجري في الخفاء، ولكني كنت أجد أبي - رحمه الله - يضطرب ويصفرّ لونه كلما عدت من المدرسة فتلوت عليه ما حفظت من «الكتاب المقدس»، وأخبرته بما تعلمت من اللغة الإسبانية، ثم يتركني ويمضي إلى غرفته التي كانت في أقصى الدار، والتي لم يكن يأذن لأحد بالدنو من بابها، فيلبث فيها ساعات طويلة، لا أدري ما يصنع فيها. ثم يخرج منها محمر العينين كأنه بكى بكاء طويلاً، ويبقى أياماً ينظر إليّ بلهفة وحزن، ويحرك شفتيه فعل من يهم بالكلام، فإذا وقفت مصغياً إليه ولاّني ظهره وانصرف عني من غير أن يقول شيئاً.

وكنت أجد أمي تشيعني - كلما ذهبت إلى المدرسة - حزينة دامعة العين، وتقبّلني بشوق وحرقة، ثم لا تشبع مني فتدعوني فتقبلني مرة ثانية، ولا تفارقني إلا باكية، فأحس - نهاري كله - بحرارة دموعها على خدي، فأعجب من بكائها ولا أعرف له سبباً، ثم إذا عدت من المدرسة استقبلتني بلهفة واشتياق كأني كنت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015