الموت هل يأتيه سهلاً هيناً أم هو سيذيقه العذاب ألواناً، وحاول أن يتذكر ما سمع عن الغرقى، وهل يختنقون عاجلاً أم يبطئ عليهم الموت؟ وذكّره هذا العذاب بعذاب الله يوم القيامة؛ أليس الله قد حّرم الانتحار؟ أليست هذه النفس ملكاً لله وحده أودعها جسدَه أمانةً ليستردها متى شاء، ليست له هو ولا يملكها، وليس هو الذي خلقها وأبدعها؟ وذكر أنه توجه إلى الله واستودعه حبيبته فكيف يلقى الله آثماً ويسأله عونها وحفظها؟
وتنبه إيمانه فتردد، ووقف ... ثم عاوده التفكير في حياته بعد اليوم وكيف تكون إن ذهبت منها متعة الحب، فرجع إليه يأسه وقنوطه وعزم عزماً مبرماً على الموت. وأغمض عينيه، وخفق قلبه من هول ما يُقدم عليه، وكاد يقفز، ولكن ... ولكن قوة لم يُطِقْ لها دفعاً ولم يملك معها حراكاً أمسكت به ... تلك هي الصيحة التي أحس بها من بعيد ثم رآها امتدت حتى بلغت الأفق الذي أطل منه الفجر، والأفق الذي انغمس فيه الليل، ثم غمرت النهر والشاطئين والمدينة، فأحس بها تشرق على نفسه كهذا الفجر فتبدد ليلها. ذلك هو صوت المؤذن ينادي في صفاء الليل وإصغاء الدنيا أجلَّ وأجمل نداء اهتز به هذا الفضاء ومشى فيه: «الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله».
وسمع: «حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح» فرأى فيها مجد الآخرة بالعبادة ومجد الدنيا بالنجاح، وصبّت القوة والعزم في أعصابه فعدل عن الموت. ورجع إلى الدار فرأى فيها نساء من نساء الجيران سمعن صوتها، فجئن إليها فسألهن عنها، وكانت مغمى عليها فحسبوها ماتت. وأخبروه بموتها، فلطم وجهه وشق