دينها وما علّموها من بغض الإسلام فتوقفت، وحاولت أن تذكر سيئة واحدة لهذا الرجل ولقومه تستعيد بها بغضاءها إياهم فلم تجد. وجعلت تقابل بينه وبين البطريرك الأعظم، الذي خرج مع القافلة بعدما استلب المعابد وكنوزها وكنس الكنائس وحمل كل ما كان فيها، ولم يُعطِ من هذا المال أحداً، لم يَجُدْ به على امرأة ضعيفة تمشي معه ولا على شيخ عاجز. وذكرت ما سمعت من أن السلطان تركه يخرج بهذا المال مع أنه شرط لهم الخروج بأموالهم لا بأموال الكنائس، وذكرت ما كان يصنع قومها من إخلاف الوعود، والحنث بالعهود، فتمنت لو أنها كانت مسلمة. ولكنها لم تجهر بهذه الأمنية وخنقتها في نفسها.
وتدفق هذا النهر البشري يحمل أعجب أنواع السلائق الإنسانية وأغرب المتناقضات؛ ففيه حنو الأمهات وإيثارهن، وفيه أَثَرة الأغنياء وقسوتهم، وفيه الصبر وفيه الجزع، وفيه الصدق وفيه التزوير، وفيه البطريرك الذي يزعم أنه خليفة المسيح ليساعد الفقراء ويزهد في الدنيا، ثم يأكل مال الله وحده ويعرض عن الفقراء والمحتاجين.
مشت هذه القافلة في الطرق المقفرة والمسالك الموحشة، لم تكن تحب أن تعرج على شيء من بلاد الإسلام. كانت وجهتها طرابلس، فلما بلغتها بعد الجهد البالغ والمشقة المهلكة وبعد أن تركت في الطريق ضحايا الجوع والتعب، ماتوا وفي القافلة الأغنياء معهم الذهب وفيها البطريرك يحمل من أموال الله مئة ألف دينار ... لما بلغتها أغلق أميرها السور في وجه القافلة وردها، ثم بعث