ووقفن وأيقنَّ بالهلاك. فأرجعوهن، فإذا على رابية طائفة من المسلمين بينهم شيخ على فرس له، لم يرع مارييت وصحبها إلا قولهم: هذا هو السلطان.
هذا هو السلطان، هذا صلاح الدين المخيف، آكل لحم البشر وشارب الدماء! وجعلت تختلس النظر إليه فلا ترى ملامح الوحش الكاسر ولا تبصر الأنياب ولا المخالب؛ لا ترى إلا الهيبة والنور والجلال. فلما وقفن عليه قال: ما تُردن؟
قالت امرأة: رجالنا في الأسر، أزواجنا ...
وتصايحن وبكين، فبكى السلطان رقة لهن وأمر بإطلاق أسراهن، وأعطاهن الدواب والطعام والمال.
لما رأت مارييت زوجها صحيحاً معافى نسيت الشقاء والهزيمة، وألقت بنفسها بين ذراعيه. لم تخف أن يبصرها الناس، فقد جعل كرم السلطان كل واحد يشتغل بسعادته.
ثم مشت الطريق بهؤلاء النازحين، لم يمشوا هم فيها؛ لأنهم ملؤوها فلم يعد يُعرف أول لهم من آخر، فكأن الطريق كالنهر الممتلئ بالماء من منبعه إلى مصبه، نهر من الأسى والفرح، والهزيمة في المعركة والظفر بلقاء الأحبة، وكره الغالبين وشكرهم على إحسانهم.
وأحست مارييت في قلبها بالاعتراف بفضل هذا الرجل المحسن، ورأت خلال الإنسانية والحق والنبل تتمثل فيه هو، لا فيمن رأت من رجال قومها. وكادت تحبه، ثم تنبه في نفسها