لأجمل كلمة في الدنيا وفاتحة اللغات وأمها؛ فهي أول لفظ بشري يجري به لسان الوليد، وهي كلمة الإنسانية: تختلف اللغات، وتتحد فيها. وهي كلمة الطهر: ينطق بها الطفل قبل أن يعرف الشر ويدري ما المكر. وهي أحلى من كلمة «حبيبي» لأن من الحب ما يُمدح وما يُذَم، أما الأبوّة فخير كلها، والحب رابطة يصنعها الإنسان، أما الأبوة فمن صنع يد الله.

ولكن مارييت لم تكن ترى في هذا الصباح إلا ناراً تحرق كبدها وشفرة تمزقها، وضاق بها أمرها، فهرعت إلى جارات لها واجتمعن يترقبن ما يكون من الأهوال، فإذا القدس ترتج بصرخة واحدة اجتمعت عليها حلوق المسلمين والنصارى؛ أولئك ينادون: «الله أكبر»، وهؤلاء يعولون وببكون. فنظرن فإذا أحد الجنود الفاتحين علا قبة الصخرة، فأنزل الصليب الذهبي الذي لبث فوقها قرابة مئة سنة وحسبوه سيلبث إلى يوم القيامة.

وجاءتهن الأخبار بما يصنع المسلمون في المدينة، فجعلوا يعجبون ولا يصدقون أن المسلمين لم يؤذوا أحداً، ولم ينهبوا مالاً، وأن من شاء الخروج دفع ما اتفق عليه وحمل معه ما شاء وخرج، وأن النصارى يبيعون ما فضل عنهم من أمتعتهم في الأسواق فيشتريها منهم المسلمون بأثمانها، وأنهم يروحون ويجيئون آمنين مطمئنين لم يروا إلا الخير والمروءة واللطف، وأن المسلمين قوم أهل حضارة وتمدن ليسوا وحوشاً ولا آكلي لحوم البشر. ورُوي لهن ما صنعوا في الحرم، فقد نزعوا منه كل ما أحدث النصارى وردوه إلى حاله الأولى، وجاؤوا بالمنبر الذي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015