أبطالاً كراماً تخطر على أرض الموعد، وكانت حصن الصليبية وسياجها، وعادت إلى البحث عن زوجها والتحديق في الوجوه، فمر بها شيخ كان يحدب عليها ويحب زوجها، فأدركته الشفقة عليها، فأخذ بيدها فاستخرجها من الساحة.
وكان الخطب قد حطم إرادتها وتركها كالتي تمشي في نومها، فانقادت إليه طيعة وسارت معه، وسألته هامسة كأنها تخاطب نفسها: يا أبتاه، هل رأيت زوجي؟
فلم يحب أن ينبئها بما تكره فلوى الحديث وشغلها بغير ما تسأل عنه، فقالت: وما تظن أنهم يصنعون بنا يا أبتاه؟ هل يخطفون ولدي ليأكلوا لحمه أمام عيني؟
قال: ومن خبّرك بهذه الأكاذيب؟ إن المسلمين قومٌ كرام، أهل وفاء ونبل، وإن ملكهم صلاح الدين خير الملوك قاطبة ...
ومضى يحدثها عما عرفه من صفة المسلمين، وهي فاتحة فمها دهشة لا تكاد تفهم ما يقول ولا تصدقه. فعاد يقول: ولو أنهم ذبحونا لما كانوا معتدين، بل كانوا منتصفين منا؛ فإنّا لما دخلنا القدس منذ مئة سنة قتلناهم في البيوت والشوارع والمساجد وحيثما وجدناهم، حتى صاروا يلقون بأنفسهم من فوق الأسوار لينجوا منا، وحتى بلغ عدد من قتلنا منهم سبعين ألفاً ولم يتحرك قلب منا بشفقة ولا لسان بإنكار ...
وأصبح الصباح وهي لا تزال تفتش وتبحث، والولد على يدها ينادي: «بابا»، فيذكرها به، وما كانت ناسية. وإن كلمة «بابا»