صنعه نور الدين الشهيد ليقام فيه، فأقاموه في الحرم وخطب عليه خطيبهم يوم الإسراء.
وجاءهن شاهد عيان يصف لهن ما رأى وما سمع في المسجد، قال: ودخلت فلم يمنعني أحد ولم يسألني من أنا، فاختلطت بالمسلمين، فإذا هم جميعاً يجلسون على الأرض، لا تتفاوت مقاعدهم ولا يمتاز أميرهم عن واحد منهم، قد خشعت جوارحهم وسكنت حركاتهم وخضعوا لله، فعجبت من هؤلاء الذين كانوا جنّ المعارك وشياطين يوم القتال، كيف استحالوا هناك رهباناً خشّعاً. ورأيت الخطيب قد صعد المنبر فخطب خطبة، لو أنها ألقيت على رمال البيد لتحركت وانقلبت فرساناً ومضت حتى تفتح الأرض، ولو سمعتها الصخور الصم لانبثقت فيها الحياة ومشت فيها الروح. ووجدت هؤلاء الناس لا يُغلَبون أبداً ما داموا مسلمين ولو اجتمعت عليهم دول الدنيا، لأن قوة الإيمان أقوى في نفوسهم من كل قوة؛ إنه لا يخيفهم شيء لأن الناس إنما يخوَّفون بالموت ومنه يخافون، وهؤلاء قوم يحبون الموت ويريدون أن يموتوا. كلا؛ لا يطمع قومنا بهذه الديار أبداً، أنا أقول لكم، وأنا قد عرفت القوم وتكلمت بلسانهم وخالطتهم ووقفت على ديانتهم وسلائقهم. كلا؛ إنه لا أمل لنا فيها. لقد أنزلوا الصليب اليوم بعدما لبث مئة سنة فلن يعود، لن يعلو هذه القبة إلا شعار محمد، فلا نصرانية، ولا يهودية. إن كل بقعة في هذه الديار تنقلب إذا حزب الأمر وجد الجد حطين، وكل وليد فيهم يصير صلاح الدين، فلا يهرق قومنا دماءهم هدراً ولا يزهقوا أرواحهم في غير طائل.
ونظرت مارييت فإذا قومها قد آثر فريق منهم البقاء في ظل