ولكنها غالبت النفس ومشت، فقد كانت تفتش عن زوجها ولا تستطيع أن ترجع حتى تلقاه أو تعرف خبره. وكان حولها رجال ونساء كثيرون يبحثون - كما تبحث - عن قريب أو صديق، وتمثلت ذلك الأمل الضخم، أمل «الوطن القومي» الصليبي، فألفته قد مات هو الآخر وأُلقيت جثته! ورأت هذه الأرض قد عادت للقوم الكافرين بيسوع وأمه. وأحزنها ذلك كما أحزنها فقد زوجها، وتضاعفت به مصيبتها، وحاولت أن تتعرف وجوه القتلى من أحبابها وعشيرتها، فأخفقت وعجزت ولم تبصر شيئاً من الظلام ومما أصابهم من التبديل والتغيير.
وتمثلت لها حياتها كلها، فإذا هي قد ذهبت وجاءت في مكانها حياة جديدة؛ حياة رعب وفزع وشقاء لا تعرف عنها شيئاً، ولا تدري ولا يدري أحد من قومها كيف يكون مصيره في ظل الحكم الجديد. وذكرت ما قاله لها زوجها عن فظاعة هؤلاء الفاتحين، فأحست عند ذكر زوجها كأن قلبها قد انتُزع من صدرها وطار في أثره، وفكرت فيه: أي أرض تقلّه، وأي سماء تظله؟ وهل هو قتيل قد تمزق جسمه الجميل وانتثرت ثناياه الرطاب، و ... ولم تستطع المضي في هذه الصورة، فأغمضت عينيها وألقت عليهما غشاء من الدمع، وأحست كأن فؤادها يسيل حزناً عليه، فانكبت على الولد تقبله بشدة وشغف، كأنها تصب في هذه القبل أحزانها وعواطفها، حتى أوجعت الطفل فصرخ وبكى ... ورغبت في الفرار من هذه المشاهد كلها، ولم تقدر أن تتصور كيف يتبدل كل شيء بهذه السرعة، وتتوهم حيناً أنها في حلم، وأنها ستتيقظ