الشجرة من الأرض الرخوة، ورماها بالمنجنيقات والعرادات، وقذفها بالنيران المشتعلة، وهجم جنوده على الأسوار كالسيل المنحط، بل كأبالسة الجحيم، لا تحرقهم نيراننا ولا يقطع فيهم حديدنا، كأن المردة والشياطين كلها تقاتل معهم.
وكانت مارييت واثقة من قوة الدفاع؛ فالقدس بلد النصرانية لبثت في أيدي أهلها مئة سنة لا سنة ولا سنتين، وفي القدس ستون ألفاً هم خيرة أجناد الصليب، يقودهم «بليان» ويصرفهم البطريرك الأكبر. ولكن هذه المفاجأة روعتها وأدخلت الشك إلى قلبها.
وطفقت الأخبار تصل إليها متعاقبة تترى، وكل خبر شرٌّ عليها من الذي قبله. وكلما مرت دقيقة سمعت نبأ جديداً عن شدة الهجوم ومضائه وعن تحطم أدوات الدفاع، حتى جاءها الخبر بأن الرايات البيض قد رُفعت على الأسوار، وأنها قد عُقدت الهدنة على أن يخرج من شاء من المدينة في مدة أربعين يوماً، ومن أراد البقاء بقي في حكم صلاح الدين، وأن تفتح له المدينة أبوابها، وأن يدفع الرجل الذي يريد الخروج عشرة دنانير والمرأة خمسة والولد دينارين.
وتركت مارييت القوم في رجّتهم وخرجت تفتش عن زوجها الحبيب، ومشت في الظلام تدور حول الأسوار، تنظر إلى الأبواب المفتحة والجنود الظافرين يدخلون بالمشاعل والطبول، فتشد يدها على ولدها وتمضي متباعدة حتى تبلغ ساحة القتال، فإذا هي تطأ على أعلام الصليبيين ممزقة محرقة، مختلطة بجثث الأجناد مقطعة الأوصال. فامتلأت نفسها رهبة وخوفاً وهمت بالعودة،