الإسباني الطامي وما زال ثابتاً، ولكن أسوده قد سقطوا صرعى في ميادين الشرف.
خرج موسى منذ إحدى عشرة ساعة يضرب الضربة الأخيرة ينال بها إحدى الحسنيين، إما النصر وإما الشهادة، ويرد العدو الذي أبقى عليه حِلم المسلمين حتى قوي بضعفهم واشتد بلينهم، وانتزع منهم الأرض قرية قرية، وبلداً بلداً، حتى أقبل يطردهم من آخر منزل لهم في الأندلس، من غرناطة.
* * *
وعلت غرناطة فترة الجزع من خوفها على موسى. لقد جعلته قائدها، وسلمته الدفة ليقود السفينة الهائمة على وجهها وسط الأعاصير والزوابع إلى الشاطئ الآمن، فإذا عجز موسى عن نجاتها لم يُنجها أحد من بعده. وقد كان موسى آخر خيط من خيوط الرجاء، وآخر شعاعة من هذه الشمس التي سطعت فملأت الأرض نوراً وهدى ثم أدركها المغيب، فإذا انقطع هذا الخيط عمَّ ظلام اليأس وانتشر. وقد كان موسى آخر مقطع من هذا النشيد الذي ألف مطلعه طارق، ثم توالى على نظمه «شعراء» البطولة: عبد الرحمن وعبد الرحمن وعبد الرحمن، الغافقي والداخل والناصر، فحمله الأبطال المساعير إلى الأقاصي والأداني، وتجاوبت بأصدائه سهول فرنسا وبطاح إيطاليا، ثم ضعف وتخافت ولم يبق منه إلا هذا المقطع، فإذا انقضى جف النشيد على الشفاه وانقطع ومات.
وقد كان موسى آخرَ سطر في سفر الحق والبطولة والمجد،