الذي كان في أعناق مدن الأندلس كلها والمسلمين أجمعين، فنامت عنه مدن الأندلس وشغلتها خيالات الإمارة وألقاب مملكة في غير موضعها!
وجعلت تنظر غرناطة إلى القصر البهي العظيم (وهو آخر هاتيك القصور التي شغل رواؤها الأمراء، وأنستهم سكناها أخلاق صحرائهم الأولى، فكانت مقابر لأمجادهم) طفقت تنظر إليه فلا ترى من بُناة الحمراء إلا الرجل الضعيف والمرأة الملتحية التي اسمها أبو عبد الله الصغير، وأمه الشريفة الأبية، الرجل الذي خُلق في جسم امرأة: عائشة. فحولت وجهها عن القصر إلى جهة السور تسأل: هل عاد موسى؟
ولقد كان «موسى» أملَ هذا الشعب وإليه مفزعه، وعليه بعد الله اعتماده. بدا له في ساعة الخطر كما يبدو النجم الهادي للضال الآيس.
لقد طلع فجأة من الظلام، ظلام الدهماء، فإذا هو يلمع في لحظة واحدة التماع البدر المنير (وكذلك يقذف هذا الشعب المسلم بالأبطال كلما حاقت الشدائد وادلهمّت الخطوب)، وإذا هو أمل أمة، وإذا هو ملء السمع والبصر، وملء السهل والجبل، وإذا هو بطل المعركة المكفهرّة. دعا إلى القتال شعباً كلَّ من القتال فلباه على كَلاله، هذا الشعب الذي علمه محمد صلى الله عليه وسلم كيف يلبي كلما دعي إلى التضحية والجهاد، لباه وتشققت أسماله البالية عن أسود غاب وسباع عرين، ووقف بهؤلاء الأسود في وجه السيل