لم تشهد شمس اليوم الواحد والعشرين من المحرم سنة 897 هـ حينما أطلت على غرناطة تلك المدينةَ الضاحكةَ للحياة، الساكنةَ إلى النعيم، السابحة في جو النغم العذب والعطر الأريج، بل رأت مدينةً واجمةً حَيرى، قد أقفرت من الرجال إلا قبضة من الأبطال رابطت حيال الأسوار، هي بقية ذلك الجيش الذي دانت له إسبانيا كلها وأظلت ألويته فرنسا وإيطاليا ... قد وقفت تدافع عن آخر حصن للإسلام في هذا القطر الممرع، تذود عن بيوت الله ومقابر الأجداد.
ولقد جازت غرناطة أياماً سوداً عوابس، ورأت مصائب ثقالاً متتابعات، ولكنها لم تجد مثل هذه الليلة التي قضتها مسهدة مذعورة، تنظر حواليها فلا تبصر إلا مدناً خضعت للعدو فجاس خلالها واستقر فيها، وقد كانت أرض العروبة وكانت ديار الإسلام، وأمة استُذلت واستُعبدت، وقد كانت أعز من النسور وأمنع من العقبان، وبقيت هي وحدها تحمي الحمى وتدافع عن الأرض والعرض والدين، وتحمل وحدها أوزار الماضي وما كان فيه من تخاذل وأثَرة وانقسام، وتؤدي وحدها الدَّين، دَين الجهاد