عظيم الثقة بها والاعتماد - بعد الله - عليها، وكان فذاً قد جعلته خلائقه وما ورّثه الجدود بطلاً في الأبطال، فلم تنل من حماسته هذه الأحداث التي كرت عليه فجأة بعدما طال أنسه بالدعة، وبعدما نام عنه الدهر فطالت نومته وأضفى عليه ثوب السعادة فامتدت سعادته.
وكان قد نزل به في يومه ما لو نزل بملك غيره لطارت نفسه شعاعاً فحار وسُقط في يده فلم يعرف له مضطرباً، أو انصدع قلبه وانخلع فؤاده، واستسلم. ولكن المعتمد بن عبّاد لم يكن ليذل ولا ليجزع، بل احتمل هذه الشدائد صابراً عليها، مُعِداً العدة لدفعها.
لقد تجمعت عليه في يومه بلايا ثلاث، كانت كالحلقات في سلسلة أسره: انقلب عليه حليفه القوي أمير المؤمنين ابن تاشفين الذي أعانه على حرب الإسبان، وجاءته الأخبار عنه أنه قطع المجاز (?) أمس بالخميس العرمرم، لم يعدّه هذه المرة للإسبان ولم يَسُقْه ليذودهم به عن الوطن الإسلامي، وإنما أعده لحرب ابن عباد، وساقه عليه ليزيله به عن عرشه ويقتلعه من كرسيه. ولقد أذكى ابن تاشفين حميّة جنده بأن أراهم في هذا الزحف قربة إلى الله، وأنه في سبيله، وأنه ما أراد به إلا عز الإسلام بحطم هذه العروش الصغيرة وهذه الممالك المزورة:
ألقابُ مملكةٍ في غير موضعها ... كالهرِّ يحكي انتفاخاً صولةَ الأسدِ