فقد أطمع هذا التفرق العدو حتى أقدم على هذه الدويلات، فذلت له كلها وخضعت، ورضخت (?) له بالإتاوة (وكان الأعداء هم يؤدونها عن يد وهم صاغرون). وما ينبغي للمسلمين إلا دولة واحدة عليها أمير واحد، وما جزيرة الأندلس إلا ولاية في دولة المسلمين.
بذلك أضرم أمير المسلمين الحماسة في صدور قواده وجنده من البربر، فأقبلوا يطوون المراحل شوقاً إلى حرب هذا الذي فرق جماعة المسلمين وأطمع العدو فيهم، المعتمد، الذي كان بالأمس الداني صديقَهم وحليفهم، وكان مضيفهم، وكانوا يتغنّون بما رأوا منه من عجيب الكرم وما أوتيه من بارع الخلال.
ثم إن هؤلاء الأجناد الذين كان بعث بهم أمير المسلمين ليكونوا في ثغور الأندلس جنداً للمعتمد وعوناً له على عدوه وعدو الإسلام: الإسبان، واختارهم - لغرض يريده - من فرسان المرابطين وأهل الشدة والنجدة فيهم، هؤلاء الفرسان قد تركوا بالأمس ثغورهم لمّا بلغهم زحف أميرهم وأقبلوا على حرب الملك العربي النبيل، يؤثرونها على مواقعة الإسبان، ومروا يطحنون في طريقهم الأرباض والقرى، يأخذونها أخذ الفجاءة ويدعسون (?)