وأن يجعل صورها زاداً له من دنياه في جولته الأخيرة، فقد كانوا ثمالة ذلك الجيش العظيم وبقية أولئك الأبطال الغطاريف الذين كان في وسعهم أن يقلعوا قيصر من كرسيه في القسطنطينية كما قلعوا كسرى من عرشه في المدائن، لولا أن أُلقي بأسهم بينهم فأصبحوا يحسبون مجد القائد المسلم في الانتصار على القائد المسلم، ويرون المعركة الظافرة هي التي تأكل إخوانهم في الدين وفي النسب، ويرون الفتح الأغر في استباحة مدينة الرسول أو العبث بقصبة الخلافة.
وكان هؤلاء الفتية قد لبسوا الحديد واتخذوا المغافر، لا يبين منهم إلا الحدق، فلما أرادهم عبد الله على كشف وجوههم أزاحوا هذه المغافر فأضاءت وجوههم كما تضيء الأقمار، ولكن شعاعها وميض الجمال الفاضل وبريق الإخلاص والذكاء، فأشجاه أن تكون هذه الوجوه فريسة السيوف بعد ساعة واحدة، وأن يذهب هذا الشباب الناضر، وأن يخسر جيش المسلمين هؤلاء الفتيان الأشاوس، ومن ستصيبه سيوفهم الماضية ينالونه بها قبل أن يموتوا. فعاد يدعوهم إلى الحياة ورجعوا يأبون.
قال: أما إذا أبيتم «فلا يَرُعْكم وقع السيوف فإن الدواء للجراح أشد من ألم وقعها. صونوا سيوفكم كما تصونون وجوهكم. غُضّوا أبصاركم عن البارقة وليشغل كل امرئ قرنه، ولا تسألوا عني، فمن كان سائلاً عني فإني في الرعيل الأول. احملوا على بركة الله» (?).
فهتف هؤلاء الجنود هتافاً عالياً وأنشدوا أناشيد الحرب،