ولكن أصواتهم ذابت في هزيم الرعود التي تفجرت من حلوق الأمويين وهم منحدرون من أوعارهم وأصلادهم التي اعتصموا بها يتدفقون نحو أبواب الحرم. ودارت المعركة في البقعة المقدسة التي كانت ملجأ الناس ومثابة الأمن في الجاهلية وفي الإسلام!
* * *
بلغ هذا الزحف أبواب الحرم الأقدس، واشتركت في حمل وزر هذا الزحف مدن من الشام تعاونت على العبث بحرمة المسجد وإراقة الدم الزكي على أرضه الطاهرة، فكانت حمص بجندها على الباب الذي يواجه الكعبة، تحاول أن تقتحمه لا لتطوف بالبيت العتيق ولا لتقوم فيه لرب العالمين، بل لتستبيح فيه حرمة الدم الحرام، في الشهر الحرام، في المسجد الحرام! وكانت دمشق على باب بني شيبة، وكان أهل الأردن على باب الصفا، وأهل فلسطين على باب بني جمح، وأهل قنسرين على باب بني تميم، وكان الحجاج، قائد هذا الجيش الذي هدم بيت الله، في ناحية الأبطح. تدفقت هذه الجموع براياتها وكبريائها، وقوادها وجندها، وسلاحها وعتادها، وحماستها وهتافها، ولكنها لم تستطع أن تتقدم؛ ردها وحده هذا الشيخ!
هذا الشيخ الذي أدنته الأيام من الثمانين، فكان من حقه أن يستريح إثر حياة صاخبة، وأن يقضي بقية أيامه في دعة وهدوء ... قد جفا راحته وهناءته ووقف وسط الحرم كالأسد الهائج، يدافع عن عرينه بلبدته البيضاء وشيبته المهيبة، قد دارت مقلتاه اللتان تنفضان الشرر على هذه الأبواب، فكلما رأى باباً انفتح كرّ على