والتضحية أروع قطوفها، ثم تملص الشيخ من ذراعي ابن صفوان وأمسك برأسه فقبله بين عينيه: جزاك الله خيراً يا ابن صفوان، فلقد والله وفيت لي حين غدر الناس بي، ولزمتني حين تركني ابناي، فكانت صداقتك أوثق من الولادة وأثمن من البنوّة. ولقد كنت رفيقي في اليوم الأسود كما كنت رفيقي في الليالي البيض، ومننت وأجزلت، ولم تدع لي إلا حاجة واحدة، فأخبرني: هل تقضيها لي؟
فترق نفس ابن صفوان، ويطفر الدمع من عينيه فيقول: ولو كان في قضائها موتى!
- بل فيها حياتك إن شاء الله، فأنا أعزم عليك إلا ما نجوت بنفسك.
- معاذ الله يا سيدي!
- إني لتقر عيني في حياتي وتسكن عظامي بعد موتي إذا أنت نجوت بنفسك. قل إنك فاعل.
- معاذ الله يا سيدي، أموت معك كما حييت معك!
* * *
وكان الفجر قد انبلج وأرعدت هذه الأوعار والصخور وأبرقت، فضاع هذا الحديث الخافت في جلبة الجيش المنتصر وإرعاده.
قطع عبد الله الحديث وانثنى نحو الكعبة يأمر مؤذّنه بإعلان